القصف المتجدد على عكار من الجانب السوري وإن بزخم أقوى هذه المرة، وسقوط القذائف الصاروخية على المناطق السكنية ما ادى الى سقوط ضحايا من قتلى وجرحى، لا يوحي بجديد، بل يكرس الواقع اللبناني المأزوم، والمتهاوي سريعا نحو تكريس الإنقسام السياسي والمجتمعي على القاعدة المذهبية وهي الخلفية للإنقسام السياسي.

الملفت في هذا الاعتداء الذي استمر قرابة نهار كامل، غياب كامل لأجهزة الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني الذي لم يقم بأي رد على هذه الإعتداءات الخارقة للسيادة اللبنانية والتي طالت مناطق آهلة بالسكان، فيما وزير الخارجية عدنان منصور أعتبر أن هذه النيران توضع في خانة النيران الصديقة، وهي الفضيحة التي ما بعدها فضيحة.

أي استنكار أو استهجان للقصف على عكار لم يصدر عن قوى سياسية تعتبر في الجهة المختلفة مع الاتجاه السياسي الغالب لأبناء المنطقة، وكأن الاختلاف السياسي يبرر قتل الأبرياء ب"بلاش". وقبل عكار حصلت مجزرة في عرسال في البقاع الشمالي اذ استهدفت صواريخ مناطق مسكونة من البلدة ما أدى الى مقتل تسعة أشخاص من بينهم ستة أطفال خمسة منهم من عائلة واحدة، لم يرد حينها الجيش أيضا على مصادر النيران التي أعلن في بيان له حينها أنها سقطت من الجانب السوري ومن شرق بلدة عرسال.

السؤال البارز الذي يطرح نفسه، هو لماذا هذا الإهمال لحقوق اللبنانيين أبناء المناطق الحدودية في العيش الكريم الآمن؟ وكأن أبناء هذه المناطق لا يكفيهم حرمانهم ونسيانهم؟ حزب الله أعلن الدخول في حرب ضد الشعب السوري لحماية المناطق الحدودية، فما الذي تفعله مؤسسات الدولة اللبنانية؟ هل تقول لأبناء عكار وعرسال احملوا السلاح ودافعوا عن أنفسكم؟

هذا الواقع المأزوم يفضح هشاشة المؤسسات اللبنانية، وهشاشة البنى المجتمعية، اذ يبدو الجنوب جمهورية معزولة، والضاحية الجنوبية ولاية مستقلة عن بيروت، فيما عكار وطرابلس دولة وحيدة تعيش في عزلة، وفي البقاع الأمر مشابه.

نائب عكار خالد الضاهر يشير الى ان الدولة عاجزة عن القيام بدورها كما يجب لسببين، أولهما، غياب القرار السياسي الذي يجب أن يصدر عن الحكومة:" هذه الحكومة هي حكومة حزب الله والنظام السوري، ولذلك لا تتابع هذا الموضوع لا بل تعتبر أن القصف مبرر." أما السبب الثاني بحسب الضاهر فهو أن المناشدات التي ناشدها نواب عكار منذ بدء الثورة السورية بنشر الجيش اللبناني على الحدود لم تلقى آذانا صاغية:" النظام السوري يريد بقاء الحدود فالتة، وقائد الجيش يطمح للوصول الى الرئاسة، وهو يظن بأن طريق القصر الجمهوري تمر على حساب دماء الضعيف وتلبية لمطالب القوي." ويعود الضاهر بحديثه الى مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، ومعركة عبرا وما يصفه بالفضيحة التي ظهرت هناك من خلال مشاركة حزب الله في المعركة الى جانب الجيش اللبناني. ويؤكد الضاهر أن كل الكلام رغم حديته هو حرصا على لبنان وعلى المؤسسة العسكرية التي أصبحت مهددة بالإنقسام بفعل العديد من علامات الاستفهام المطروحة.

هذه الأحداث الخطيرة تفرض نفسها بقوة على المعنيين لأخذ دورهم حفاظا على السيادة اللبنانية وصونا للوحدة الداخلية، لا ان تكون مدعاة جديدة لتوسيع حجم الانقسام، وكي لا يكون التقسيم العازل بالنار للمناطق اللبنانية وقودا لمناصب معينة يتم توليها على حساب جسد لبنان المقسم.