كضجيج القبور" هكذا لخص لي صديقي واقع حال الضاحية الجنوبية حيث يقطن، لم تعد الضاحية كما كانت عليه، لم تعد مقصد كل الناس للتبضع، وما عادت تنبض شوارعها بالحياة، الزحمة الحالية هي نتاج الإجراءات الأمنية المكثفة لمحاولة حمايتها من التفجيرات، وهذا ما لا يلقى استحسان القاطنين، اذ يبقى السؤال الحاضر لماذا كل هذه الإجراءات وما زالت تخرقها التفجيرات؟ كمن ينتظر الموت في سريره، دون استطاعته فعل شيء، أو حتى الهروب من القدر المحتوم، هذا ما أخبرني به صديق آخر تزاملنا على مقاعد الدراسة سنوات عدة، والذي نشأ وتربى في بئر العبد:" الناس تموت على البطيء" فمن لا يموت بالتفجير، يموت خوفا ومن تلف الأعصاب وانهيارها، ومن الترقب المشدود نحو المخاطر الداهمة، أو يختنق من الإجراءات الأمنية، ومن الوضع الإقتصادي الضغط بسبب هكذا أوضاع متدهورة. فالضاحية اليوم في حال احتضار جماعي على الصعد كافة. بعد كل تفجير ارهابي يستهدف المدنيين في الضاحية الجنوبية، تتعالى صرخات المواطنين المذبوحين، ونحيبهم كفيل بإيصال الرسالة والمناجاة، فلسان حالهم يتساءل:" لماذا كل هذا الإجرام؟ الى متى سنبقى ندفع فاتورة الدم عن غيرنا؟ نحن مستعدون دفع كل ما نملك فداء لوطننا ولكن ليس عن الغريب؟ أين الاجراءات الأمنية التي أعاقوا حياتنا بها؟ لماذا استدرجنا هذا الخطر الى عقر دارنا؟" هذه المواقف وأخرى تكاد تكون أقوى وتحمل ما هو يعبر بقساوة تساوي قساوة المآسي، تغمر أبناء الضاحية، وما هو في السر مختلف كليا عن ما هو في العلن. نقمة جمهور حزب الله بدأت تتسع، على الرغم من القناعة الدينية للجهاد في سورية، ولكن في اللاوعي هناك وعي ما يرفض هذا القتال، والنقمة ليست نتاج التفجيرات فقط، بل في جانب اساسي وواسع منها بسبب الخسائر التي يتكبدها حزب الله في صفوف عناصره في المعارك الدائرة في سورية. منذ فترة قصيرة علمت أن شخصا أعرفه ودرسنا في المدرسة نفسها لكنه أصغر مني سنا، هو مقاتل في صفوف الحزب في سورية، فطلبت من صديق مشترك أن يجمعني به حين يعود إذ علمت بأنه يعود الى لبنان بين فترة وأخرى. التقيت بالمقاتل العائد من سورية وهو من ميس الجبل اسمه أحمد وسألته عن اختصاصه في الجامعة ليخبرني بأنه تركها لأن مستقبله الجنة، وهو يجاهد في سبيل الوصول اليها. واسهب أحمد في الحديث عن القتال في سورية فيصف الوضع في سورية بأنه خطير جدا ومرعب، نظرت الى أحمد فقد بان عليه الكبر والتقدم في السن حتى أن شعره اكتسى باللون الأبيض وعند سؤاله عن هذا الموضوع يقول نتيجة الخوف فقد نفذت من الموت عدة مرات فسألته يعني لن تذهب من جديد الى سورية؟ فأجابني:" بلى هذا أصبح عملي وأتقاضى لقاءه أجرا. فغدا العنصر في حزب الله يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول،، وفي الحالتين يقع في حيرة من أمره حول توجهين، يعود ويغلب اتجاه على الآخر غلبة يجوز وصفها بالمكروهة أو المرغمة، فالظاهر الإجتماعي هكذا يفترض بنا أن نفعل ونقول.