أما وقد تم تأجيل الأزمة اللبنانية شهر إلى الأمام بقرار وجدت فيه الرئاسة مخرجًا للأرباك الذي تتخبط فيه الأطراف السياسية والحزبية لجهة العلاقة الملتبسة بين إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية وبين التمديد للمجلس النيابي، ما يعني تمديد التخبط الذي يهيمن على الساحة السياسية، فإنه من المفيد الإطلالة على الواقع الإقليمي وخصوصًا ما يجري في سوريا ومدى تأثيره على الداخل اللبناني.
سيما بعد القرار الجريء الذي إتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإصدار أوامره للبحرية الأميركية المرابضة في البحر المتوسط بضرب قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص كرد سريع وحاسم للإيقاع ما يمكن من الأضرار في المطار الذي إنطلقت منه المقاتلة السورية المحملة بالسلاح الكيماوي المحرم دوليًا، وأغارت على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب مرتكبة مجزرة أزهقت أرواح المئات من المدنيين عدا ما تركته من جرحى ومعوقين ودمار وخراب في المباني والمرافق العامة. 
الأمر الذي أدى إلى تحويل كبير في مسار الأزمة السورية وإلى إحداث تغيير مفاجىء في قواعد اللعبة لجهة إعادة طرح مسألة مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإعادة البحث الجدي في مسألة النفوذ الإيراني على الساحة السورية، إذ أنه لا يمكن إغفال الأثر الإستراتيجي والبعيد المدى الذي تركته الضربة الأميركية، وإن كانت محدودة في الحسابات العسكرية. 

إقرأ أيضًا: الربع الساعة الأخيرة للنظام السوري
ففي الآونة الأخيرة فإن النظام السوري إستطاع وبمساعدة حليفيه إيران وروسيا من تثبيت ركائز قوية لسلطته لدرجة تم معها سحب مصير الأسد من التداول السياسي  ولم يعد مطروحًا على طاولة البحث في حلول الأزمة السورية، وان النظام دخل مرحلة العودة إلى الإستقرار الذي يحفظ للأسد بقائه على رأس السلطة. 
والتحول الكبير الذي أحدثته الضربة الأميركية على مطار الشعيرات لم يقتصر فقط على مصير النظام في سوريا والنفوذ الإيراني على أراضيها، بل طاول الوجود الروسي وأحدث إهتزاز في موقف موسكو الذي تميز بمقدرتها على الإمساك بمفاصل اللعبة للأزمة السورية وبإمتلاك مقومات القوة والإندفاع وعدم التراجع والتردد على مدى ثمانية سنوات خلال ولايتي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي تميز بالإنكفاء عن الكثير من القضايا والمشاكل الدولية وبلغ ذروته مع نهاية الولاية الثانية لأوباما. 
وبدا واضحًا المواكبة السياسية الأميركية لهذه الضربة على أعلى المستويات، ففي سابقة هي الأولى من نوعها في الخطاب الرئاسي الأميركي فقد إستخدم الرئيس دونالد ترامب كلمات نابية وتحقيرية في حديثه عن الرئيس الأسد عندما وصفه بالحيوان لإستخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين من شعبه. 
وكذلك فإن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أعاد إلى الأذهان إحياء موقف دولي عندما أعلن خلال قمة الدول الصناعية السبع التي إنعقدت الأسبوع الماضي في إيطاليا "بأن نهاية حكم آل الأسد اقتربت". 
وهذا يشير إلى أن الرسالة التي تريد الإدارة الأميركية توجيهها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحواها هو التأكيد على أن الولايات المتحدة الأميركية قررت وتحت إدارة ترامب إنهاء دبلوماسية أوباما التي إعتمدت التراجع في مقاربتها لأزمات الشرق الأوسط. 

إقرأ أيضًا: حسابات ترامب أكبر من كيماوي الأسد
وملامح تغيير قواعد اللعبة في سوريا يتزامن مع التوجه الأميركي لتحجيم الدور الإيراني في المنطقة مع كافة ملحقاته من الميليشيات والتنظيمات التابع له وعلى رأسها يأتي دور حزب الله، وهذا التوجه بات مطروحًا على الطاولة من منطلقات مواقف أميركية باتت أكثر حزمًا وحسمًا من ذي قبل، والتي ستؤدي إلى محاصرة هذا الدور وإحتوائه، ما يؤشر إلى أن موضوع خروج حزب الله من سوريا عاد إلى الواجهة لإنهاء الحرب فيها بعد التوصل إلى صيغة دولية لإنهاء حكم آل الأسد فيها مع ما يستدعي ذلك من رحيل لبشار الأسد بعد إستبعاده عن رأس السلطة. 
فملامح إخراج حزب الله من سوريا وعودته إلى بلد المنشأ بدأت تلوح في أفق صفقة أميركية - روسية وتشكل الأزمة السورية أحد بنودها. 
ويأتي ذلك متزامنًا مع سلسلة عقوبات إتخذتها الإدارة الأميركية تستهدف حزب الله وبعض الشخصيات المرتبطة به والتلويح بعقوبات مالية جديدة يسري مفعولها أواخر الشهر الجاري. 
وعودة حزب الله من سوريا إلى الساحة الداخلية سواء بنصر إلهي أو بدونه سيرتب مواقف جديدة للحزب إزاء الواقع اللبناني أقلها المطالبة بمواقع تعويضه بعضًا مما خسره في سوريا.