خفايا عديدة أظهر البعض منها، تصعيد الحملة العسكرية على وادي بردى بالتزامن مع الإتفاق التركي الروسي على وقف إطلاق النار في سوريا. أولى الإشارات كانت بأن إيران غير راضية تماماً على الإتفاق، وكانت مصرة على استكمال الحملة العسكرية باتجاه إدلب أو الغوطة. لكن مع الضغط الروسي ولتجنّب أي خلاف في هذه المرحلة، وافقت طهران على إتفاق حلب على مضض. رغم محاولاتها العديدة لعرقلته بهدف إدخال تعديلات عليه تشمل الحصول على ضمانات وإخراج مدنيين وجرحى من كفريا والفوعة.

الإشارة الثانية كانت بالتصعيد العسكري العنيف، من قبل حزب الله على قرى وادي بردى، والذي تزامن مع اتهامات وجّهت إلى الحزب بقصف مضخات مياه نبع عين الفيجة التي تغذّي العاصمة دمشق ومحيطها. وهذا ما اعتبر رسالة قوية موجهة إلى الروس ومن يوافق على وجهة نظرهم من أركان النظام السوري.

ولكن، لماذا وقع اختيار التصعيد على تلك المنطقة؟ الجواب سهل وبسيط في سياق ربط الأحداث والتطورات ببعضها البعض. بما أنه لا يمكن فصل وادي بردى عن الزبداني ومضايا، وبما أن ثمة إتفاقاً مسبقاً يحوي نوعاً من المقايضة بين الزبداني وكفريا والفوعة، أرادت إيران توجيه رسالتها الاعتراضية على عدم تحقيق مطالبها في إتفاق حلب في تلك المنطقة. وتقول مصادر بارزة لـ"المدن" إن طهران طالبت أثناء المفاوضات التي أدت إلى إتفاق حلب، وتالياً وقف إطلاق النار في سوريا، بتحقيق أمر مماثل في منطقتي كفريا والفوعة، ولجأت إلى عرقلة تنفيذ الإتفاق إلى أن ضمنت إخراج عدد من الجرحى من القريتين. وتشير المصادر إلى امتعاض إيران من تجاهل روسيا مطالبها. وتعتبر المصادر أن طهران لم تحقق شيئاً مما تريده في تلك المنطقة، خصوصاً أنها راهنت على تغيير عسكري في موازين القوى، يسمح لها بفك الحصار عن كفريا والفوعة. لكن موسكو رفضت ذلك، وفضّلت الإتفاق مع تركيا. وتلفت المصادر إلى أن ثمة إنزعاجاً إيرانياً من عدم التزام الروسي بمراعاة ما تريده إيران.

وردّا على ذلك، جاء التصعيد في وادي بردى، وذلك لإبقاء معادلة المقايضة بين هذه المناطق حية. وكما يستمر الحصار على كفريا والفوعة، فإن الحصار سيشتد أكثر على وادي بردى ومضايا والزبداني. ويكرر حزب الله تأكيده أنه قادر على السيطرة على تلك المناطق، لكنه لا يريد ذلك حرصاً على كفريا والفوعة. ورغم التعبير عن الإنزعاج من السياق الروسي في التعاطي مع التطورات في سوريا، إلا أن المصادر تنفي ما أشيع عن توجه وفد روسي إلى وادي بردى ومنعه الحزب من الدخول.

تؤشر هذه المعطيات إلى إمكانية بروز خلافات أكثر بين موسكو وطهران في سوريا، رغم تأكيد مسؤولين إيرانيين وفي حزب الله، أن العلاقة مع روسيا جيدة. وهناك إتفاق شامل على الصعيد الإستراتيجي، بمعزل عن الخلافات في بعض المواضيع التفصيلية. وهذه قد تتوسع أو تضيق حسب مسار الأمور في الأيام المقبلة، وتحديداً بعيد تبيان الوجهة السياسية للإدارة الأميركية الجديدة.

هنا، لا تنفي المصادر، وجود ريبة إيرانية من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وخياراته. لذلك، فإن ثمة توجهاً إيرانياً بضرورة تجميد النشاطات العسكرية والسياسية في سوريا، في انتظار تسلّم ترامب مهماته. وفي هذا السياق، يندرج التوصل لوقف إطلاق النار في وادي بردى، الذي جاء بعد اتصالات عديدة بين موسكو وطهران. ولن يقتصر التجميد، على السياسة والعسكر في سوريا، بل على القرارات الإقتصادية أيضاً، أو كل ما يتعلق بأزمات المنطقة، من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق. لأن هناك همساً إيرانياً بأن ترامب لن يكون مطمئناً رغم إدعاءاته بأنه يريد الإنسحاب من المنطقة. وهناك خشية إيرانية من حصول أي إتفاق روسي أميركي على حاسبها مستقبلاً. وعلمت "المدن" أن ثمة قراراً إيرانياً إتخذ قبل فترة وأبلغ لحزب الله، الذي أبلغه بدوره إلى حلفائه، باتخاذ اجراءات تقشفية في الميزانية المخصصة لهم، وذلك تحسباً لأي عقوبات جديدة قد يفرضها ترامب، وتشكل ضغطاً على إيران.

وربطاً بهذه التطورات، جاءت زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي سوريا ولبنان. وأكد في أكثر من لقاء أنه سيكرر زياراته في الفترة المقبلة وسيكثفها، وسيواظب مع غيره من المسؤولين الإيرانيين على زيارة لبنان وسوريا، لمتابعة التطورات عن كثب، ولإبقاء التشاور مفتوحاً في شأن التعاطي مع المتغيرات. وبمعنى أوضح، فإن الرسالة التي أراد بروجردي توجيهها، هي أن إيران ستبقى قريبة ولن تبتعد عن مسار الأمور. أما بشأن التوقعات حول مصير وقف إطلاق النار في الفترة المقبلة، فتجيب المصادر أنه الآن سيبقى مكرساً، أما فيما بعد وبحال حصول تهديد للمصالح الإيرانية، فإن هذا الإتفاق لن يصمد.