أول ما تشعر به,عند تجوالك في شوارع مدينة النبطية,تلك المدينة التي لعبت دورا استقطابيا حاضنا لقرى ورجالات جبل عامل , واستحقّت من دون منّة من أحد أن تكون 
حاضرة هذا الجبل الاشم,وخاصة اذا كنت من أبنائها الذين لهم ذكريات الترعّرع في أزقتها وعلى بيدرها رمز المدينة مع حكايته الشهيرة,وأم المدارس التي لها الفضل 
على أدباء وشعراء وشخصيات علمية بارزة ذاع صيتهم في البلاد,وناديها الحسيني فاتح عهد الحسينيات العامليّة,المحطة الاولى لرحال علماء النجف الاشرف قبل النفر 
الى قرى بلاد الشام,تشعر بألم على مفقود وهو بين يديك,يستصرخك,النجدة النجدة,وصراخه لا يزيدك الا ألما وحزنا,وحنينا دامعا ,مستحضرا تاريخ الشموخ لمدينة 
الحسين(ع),وكأن ظلم وحقد بني أميّة لاحقاها,وهي عصيّة كامامها الحسين الشهيد,الذي آثر الموت الكريم,على ركوب العار. 
لم يكن يخفى هذا الواقع الاليم, للمدينة على أحد من أبنائها الغيارى ,وخاصة على امامها العلامة الشيخ عبد الحسين صادق,حامل أمانة علمائها الكبار بحق,وان كانت 
المآخذ عليه كثيرة في آلية ادارة الشؤون الاجتماعية,والدينية, ,ولم يكن سماحته على دراية بفن اللعبة السياسية ,-لأنه زجّ باللعبة السياسية على عجل, - التي خاضها في المدينة أثناء انتخابات المجلس البلدي, فيما مضى , تلك بداية الانقسام النبطاني  السياسي وتفرعاته وتفتقاته الاجتماعية,وبداية تراجع الدور الطليعي للمدينة في محيطها,مما سمح لأطراف سياسية دخول المدينة من بوابة الخلافات النبطانية,واستغلال من بدّل حلم النيابة بسلطة محلية منزوعة الصلاحيات. 
واذا ما عرّجت على الزعامة السياسية الحالية للمدينة وقضائها,ترحمت على بعض من مضى منهم,الذين رفضوا تسليم قرارها لغير أبنائها,متمسكين ومصرين على دورها 
الحاضن لبلدات قضائها,لأنه الدور الطبيعي لمركز القضاء,حتى عندما أصبحت مركزا للمحافظة,باتت مسؤولياتها أكبر,والحاجة لاعادة دورها أمرا ملحا. 
ثمة لوم على النُخب الثقافية في المدينة وهم كثر,لأنهم هم القادرون, بتكتلهم ,استعادة الدور الطليعي القيادي التاريخي لهذه المدينة.وهم القادرون أيضا على التغيير باعتبارهم 
السلطة الثالثة في المدينة,بموازاة الزعامتين السياسية والدينية,ومما لا شك فيه أن الخلاف الحاصل بين الزعامتين,الزعامة السياسية السائدة,والزعامة الدينية المحلية,شكلت 
المدخل عند البعض لاستضعاف المدينة والسيطرة على قرارها.وبالتالي فقدت النبطية دورها الحاضن للجوار,وافتقرت لغيرها بعد افتقار الغير لها. 
هذه المدينة المعطاءة,لا تفتقر للرجال الرجال,وفيها الطاقات الوفيرة من أبنائها الذين أعطوا الكثير,وما زالوا على استعداد للعطاء,لكن الظلم الذي حلّ بها من ذوي القربى 
أشدّ وطأة على نفوس أبنائها,الذين ان سألت آحادهم,تمثل لك ببيت الشعر الشهير: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد 
من هنا وعلى ضوء ما تقدم,نرى امكانية الشراكة الفعلية ما بين مثقفي المدينة وفاعلياتها مع العباءة المشيخية ,ضد الاستلاب السياسي المقنع بالحزبية الدينية والطائفية 
تمكينا لاستعادة  الدور الطبيعي لهذه المدينة في حل مشاكلها بنفسها أولا , والمساعدة للآخرين ثانيا  , وبالتالي انجاز مشروع جنوبي متقدم يربط المواطن بالوطن,ويطلق مناخ تعددي متنوع لكسر الحواجز والقيود على ضوء الآحاديات  تارة والثنائيات تارة أخرى.وتكون نموذجا يُحتذى  به , كما كانت قبل ثقافة الاستلاب التي كرستها مصالح بعض القيمين على شؤونها , وما قضية النفايات إلا واحدة من متفرعات أصل الاستلاب هذا .