بدا واضحًا أنّ معركة تحرير الموصل من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي احتلها منذ ما يقارب الثلاث سنوات ليست شأنا عراقيا فحسب، بل هي شأن دولي من خلال قيادة الولايات المتحدة الأميركية للتحالف الذي يتولى هذه المهمة، وشأن إقليمي من خلال مشاركة بعض الدول المحيطة بشكل مباشر أو غير مباشر كإيران وتركيا وقوات البشمركة الكردية في هذه المعركة. 
وإذا كانت القوات العسكرية المشاركة على الأرض في معركة تحرير الموصل والبالغة أكثر من أربعين ألف مقاتل هي عراقية تماما فيما انحصر دور التحالف الدولي وفي مقدمته القوات الأميركية على سن ضربات جوية مهّدت للهجوم. إلا أنه رغم ذلك فقد بدت وكأنها معركة الإدارة الأميركية وتحديدا معركة  الرئيس باراك أوباما بامتياز، ولا دور لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فيها إلا في حدود الإعلان عن ساعة الصفر لبدأ المعركة. 
وكان الرئيس الأميركي أوباما وقبل أشهر قليلة قد حسم أمره لتحرير المدينة التي تضم ثاني أكبر تجمّع سكّاني ومتنوع بعد بغداد. وذلك عبر إرساله مستشارين أميركيين إلى العراق وضمّهم لكتيبة في وحدات الجيش العراقي التي ستشارك في القتال في الموصل لفرض السيطرة أكثر في  إجراءات حسم المعركة وضمان الانتصار فيها. وذلك في تصميم واضح للرئيس أوباما على أن يكون القضاء على داعش أو طردها من المدينة قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية، على الرغم من تصريحات سابقة لبعض الضباط الكبار في البنتاغون بأن توقيت عملية الهجوم على الموصل لتحريرها من داعش وهي أكبر معقل لهذا التنظيم الإرهابي لا علاقة لها بالسياسة. مع ذلك، فإن استعادة المدينة من داعش لها تأثيرها في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة المقررة في الثامن من شهر تشرين الثاني القادم. حيث ستبطل ادّعاء الحزب الجمهوري الأميركي إلى أن إدارة أوباما قد فشلت في الحرب على الإرهاب بوجه عام وضد داعش على وجه الخصوص. ذلك أنّ الإنتصار العسكري على هذا التنظيم الإرهابي هو أكثر من دعم موقف مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في معركتها ضد منافسها دونالد ترامب المرشّح عن الحزب الجمهوري. وقد يشكّل ذلك انتصارا سياسيا للبيت الأبيض. وأيضا سيشكّل انتصارًا أكبر للديمقراطيين. 
وفي سياق متصل، فإنّ الحشود العسكرية التي تدفقت من كلّ حدبٍ وصوب للمشاركة في معركة تحرير الموصل تحت شعار القضاء على الإرهاب في أبرز معاقله. إنّما لكلّ حشد قضيته وأهدافه وحساباته الخاصة. ولعلّ أقلّها أهمية القضاء على داعش. حتى لتكاد التناقضات بين المحتشدين والتنافس على تصدّر المواجهة أن تفجّر صراعا في ما بينها أخطر من الصراع ضد مقاتلي داعش المتمترّسين في الداخل. إذ إنّ الوحدات المحتشدة للقتال لا تحمل السلاح فقط، بل تحمل المشاريع المتناقضة والمتعارضة أيضًا.
فالحشد الشعبي الشيعي له رؤيته التي تعبّر عن الرؤية الإيرانية. ورؤية السنة العرب في العراق تتقاطع مع الرؤية التركية. في حين لا يُخفي الأكراد سعيهم إلى مدّ إقليمهم شبه المستقل على أوسع مساحة جغرافية ممكنة تشمل النفط والماء. كما تتطلّع الأقليات الأخرى إلى إقليم خاص يحظى ضمنا بحماية دولية. على أنّ الغائب الأكبر في معركة تحرير الموصل من براثن داعش هو الرؤية الوطنية العراقية الشاملة. 
فعندما تصرّ أنقرة على مشاركة جيشها مباشرة فهي تسعى إلى إضعاف حزب العمال الكردستاني والحد من النفوذ الإيراني في مناطق في أقصى الشمال العراقي على الحدود مع تركيا.                                         أما إيران فلا تريد لتركيا أن تكون شريكا آخر لها في صنع قرار العراق. فمن يحظى بحصة في الموصل يحظى بحصة في بغداد وفي قرارها وفي حكومتها. ويحظى بمقعد إلى طاولة المفاوضات على الإقليم. 
حتى أنّ واشنطن وفي الموصل لا تسعى لاستعادة دورها الملتبس في العراق فحسب، بل تسعى أيضا إلى إقامة توازن فاعل مع الدَّور الروسي في سوريا عبر التحكم بالممرات الحدودية والقدرة على التأثير في الشرق السوري السائب.
وعليه فإنه إذا كان العنوان محاربة الإرهاب وتحرير المدينة من أيدي تنظيم داعش فإنّ معركة تحرير الموصل تأتي ضمن مسلسل استجلاب قوى دولية واقليمية لتقاسم الثروات العربية في ظلّ الخلافات والتناقضات والصراعات التي تجتاح الوطن العربي مما أفقد العرب أي تأثير في صناعة قراراتهم المصيرية ومستقبل شعوبهم.