الجيش في لبنان في وضع لا يحسد عليه ابدا,ذلك ان المسؤوليات المطلوب منه تحملها هي بحجم الوطن ,والمهمات الملقاة على عاتقه تمتد على كامل الاراضي اللبنانية ,فيما الصلاحيات المعطاة له محدودة جدا ومقيدة بعوامل لا يستطيع تجاوزها ,فهي خاضعة لقرار سياسي مقسوم بين طرفين متنازعين ,ينطلق كل طرف منهما من حسابات ضيقة ومصالح خاصة لا ترقى الى مستوى المصلحة الوطنية التي تضيع بالمزايدات الفارغة وتقع تحت تأثير اللعبة الطائفية والمذهبية القذرة .

   فمهمة الجيش عادة وفي كل دول العالم الغنية منها والفقيرة والراقية منها او التي لم تطالها فرص النمو والتقدم والحضارة ,هي حماية حدود البلد من اي اعتداء خارجي وفي حالات نادرة التدخل في الداخل لفرض الامن والاستقرار في بلد يتعرض الامن القومي فيه للخطر .

  اما في لبنان فمهمة الجيش اصبحت اوسع واشمل من ذلك بكثير ,فاضافة الى هذه المسؤوليات فان المطلوب من الجيش اقامة الحواجز على كافة الطرقات الدولية والطرقات الفرعية وفي الشوارع والاحياء والازقة على امتداد الجغرافيا اللبنانية من الشمال الى الجنوب مرورا بالجبل والعاصمة بيروت وامتدادا الى البقاع الشمالي والاوسط وانشاء مراكز عسكرية في العديد من المناطق التي يتعرض استقرارها لهزات امنية, وكذلك ملاحقة المشبوهين ومداهمة الفارين من وجه العدالة والمرتكبين جرائم قتل او تهريب او تزوير او سرقة سيارات والمشاركين في اعمال جرمية كالخطف والابتزاز ومصادرة حرية الاخرين كذلك فان مهمة الجيش تتوسع لتطال حتى المخالفين لأنظمة المرور والبناء والاوراق الثبوتية الشخصية والمعتدين على الاملاك العامة او املاك الغير.

 واليوم وفي خضم الاحداث الدراماتيكية المتلاحقة في المنطقة العربية وبعد غزو جماعات ارهابية للمجتمع اللبناني وخصوصا في منطقة البقاع وما نجم عن ذلك من معارك دارت رحاها في بلدة عرسال ومحيطها والجرود المحاذية لها وادت الى مقتل وجرح العشرات من العسكريين والمدنيين والى اختطاف اكثر منم ثلاثين عسكريا يتم استعمالهم كورقة ضغط وابتزاز على الدولة اللبنانية لفرض شروط قاسية عليها ومخالفة للانظمة والقوانين المرعية الاجراء حيث يقدم هؤلاء الارهابيين على ارتكاب جرائم وحشية بحق هؤلاء العسكريين المخطوفين بالقتل والذبح الواحد تلو الآخر .

    فأمام هذا الواقع المأساوي لم يعد بامكان الجيش التفرج على مسلسل الذبح والقتل الذي يطال هؤلاء العسكريين المخطوفين وان يبقى مكتوف الايدي تحت ضغط ابتزاز الجهات الخاطفة وترك الساحة الداخلية رهن فوضى الجماعات المسلحة .

   ويبدو واضحا ان الجيش رفع من درجة تأهبه واجراءاته العسكرية محصنا بقرار سياسي ,لكن من دون ان يتأثر بضغط الارض الآتي من تحركات اهالي العسكريين او مسار المفاوضات القائمة التي يتولاها رئيس الحكومة .

     وتأتي عملية المداهمة الاخيرة التي جرت في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال في سياق الاجراءات الامنية الوقائية العادية وكانت حصيلتها توقيف 22 سوريا ممن شاركوا في الاعتداء المباشر على الجيش في معركة عرسال الاخيرة .

   لكن اللافت انه لحظة نشر صور المداهمات انطلقت حملة منظمة ضد المؤسسة العسكرية عملت على تأجيج مشاعر العداء ضد الجيش , وشارك في هذه الحملة اعلاميون وسياسيون ورجال دين , وتمت ترجمتها على الارض بالدعوة التي قامت بها هيئة علماء المسلمين لاحياء يوم (( لا لذبح عرسال )) مما يثير الكثير من النعرات المذهبية والطائفية وكذلك ارتفاع اعلام داعش والنصرة في عرسال وطرابلس والهتافات المؤيدة لهما .

  الا ان اللقاء الذي تم بين قائد الجيش العماد جان قهوجي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان في دار الفتوى كان ايجابيا جدا سيما وان المفتي تحدث على اثر اللقاء بلغة الاعتدال مستنكرا كل ما يتعرض له الجيش من اعتداءات واتهامات باطلة .

  والغريب في هذه الحملة التي تستهدف المؤسسة العسكرية ان هناك من يرى في مداهمة وتوقيف مجرمين عملا غير انساني وغير اخلاقي,فيما يغض النظر عن وحشية مجموعات متخصصة في القتل والذبح وقطع الاعناق .

    واذا كان هناك من يشك بوطنية المؤسسة العسكرية فعليه ان يدرك انه لم يبق في البلد من مؤسسة ناشطة في عملها ومهماتها غير الجيش فهو الذي يستميت افراده لحفظ حدود الوطن وحفظ الامن والاستقرار فيه . ولا يحق لكائن من كان التطاول على الجيش وتوجيه اتهامات باطلة له والتعدي على افراده , وكذلك فعلى الشعب اللبناني بكافة طوائفه ومذاهبه واحزابه وسياسييه اعتبار المساس بالجيش هو خط احمر ومن يقترب من هذا الخط فانه يعرض نفسه للاحتراق .

                        طانيوس علي وهبي