مأزق دستوري جديد يضاف إلى ما تعيشه مؤسسات الدولة من مآزق، ولكن كما هو معهود في لبنان فإن مختلف المشاكل القانونية والدستورية لا تتمّ معالجتها وفق ما يجب، لأنها في الأساس هي إشكالات سياسية يجري إلباسها لباساً قانونياً لتبرير العقم الحاصل وعدم الإنتاج. وصل لبنان إلى الحائط المسدود في ما يتعلّق بالإنتخابات النيابية وبدعوة الهيئات الناخبة، وهذا ما يصبّ في صالح التمديد الذي أصبح واقعاً على الرّغم من إدعاء بعض الأفرقاء رفضهم له.   أنجز وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عمله المختصّ بالإنتخابات النيابية، وقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وأرسله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث من المفترض تقنياً أن يوقّع عليه رئيس الحكومة تمام سلام، ومن ثمّ يعرض على المجلس مجتمعاً عملاً بالمادة 62 من الدستور لأن الحكومة تقوم وكالة بأعمال رئيس الجمهورية، من أجل المصادقة والتوقيع عليه.   وقّع المشنوق المرسوم ضمن المهلة القانونية، وتحديداً في الخامس من آب الحالي، أي قبل أسبوعين من إنتهاء المهلة، ولكن حتى الساعة لم يدرج هذا البند على جدول أعمال مجلس الوزراء. إنطلاقاً من مبدأ إحترام المهل القانونية، فإن القانون يلزم الحكومة ورئيس الجمهورية بدعوة الهيئات الناخبة قبل تسعين يوماً من موعد التاريخ المحدد لبدء العمليات الإنتخابية وفي الحالة الراهنة تنتهي ولاية المجلس الحالي في العشرين من تشرين الثاني المقبل. لذلك يجب توقيع دعوة الهيئات الناخبة قبل العشرين من آب، وذلك إفساحاً في المجال لإجراء الإنتخابات ضمن المهلة القانونية، أي أن يكون العشرين من تشرين الثاني المقبل هو الحدّ الأقصى لحصول تسلّم وتسليم بين المجلسين المنتخب والمنتهية ولايته.   أي تأخير في المهل يعرَض البلاد لفراغ برلماني، يوازي مدة التأخير في دعوة الهيئات الناخبة، أي بمعنى آخر: إذا تمّ تأخير دعوة الهيئات الناخبة وإقرار المرسوم بعد أسبوعين مثلاً فإن البلاد ستشهد فراغاً في المجلس التشريعي لمدة أسبوعين، هذا في حال أقرّ مجلس الوزراء مجتمعاً وفق الآلية المعتمدة أي بتوقيع 24 وزيراً على المرسوم.   يشير مرجع دستوري بارز لـ"المدن" إلى أنه بإمكان المجلس النيابي تلافي هذه الثغرة القانونية من خلال إمّا تأجيل الإنتخابات لتناسب مهلة التسعين يوماً مع مهلة التأخير وتشمل بذلك الأخذ بالإعتبار مهلة فرز الأصوات وصدور النتائج، ويعتبر هذا التمديد تقنياً كي لا يتم الطعن بالإنتخابات. وإما فبإمكان المجلس النيابي أن يعدّل قانون الإنتخابات لجهة المهل ويقصّر المهلة بين الإقرار وإجراء الإنتخابات بما يتناسب مع صدور المرسوم وإقراره.   ولكن بمعزل عن ذلك يعتبر المرجع الدستوري أن هناك عقبات أخرى تحول دون إجراء الإنتخابات أوّلها التوقيت، لا سيما أن أي تأجيل للإنتخابات سيحتّم إجراؤها في الشتاء وخلال العام الدراسي، وهذا ما يحرم المغتربين الذين يقصدون لبنان خلال الصيف من فرصة المشاركة في وقت لم يسمح لهم بعد بالإنتخاب في الخارج.   ثانياً، ينص القانون على إنشاء هيئة للإشراف على الإنتخابات وهذه الهيئة لم يتم تشكيلها بعد. أما ثالثاً، فإن الفريق الذي يرى أنه ليس هناك من إمكانية تقنية لإجراء الإنتخابات وأن الوضع الأمني لا يسمح بذلك، يكفيه أن يوعز لأحد وزرائه داخل الحكومة بعدم التوقيع على المرسوم، وهذا سبب كاف لتطيير الإنتخابات.   رابعاً، وبحسب المرجع، فان أي فريق سياسي بإمكانه الطعن بهذه الإنتخابات إن حصلت وفقاً للقانون الساري، إذ أن الإنتخابات السابقة جرت وفق قانون تمّ إعتماده لمرّة واحدة فقط، أي بحال إجراء الإنتخابات مرّة ثانية وفقه، فتعتبر لاغية وساقطة. وهذا يحتّم إقرار قانون إنتخابي جديد، الأمر الذي لم يحصل خلال خمس سنوات ونصف من عمر المجلس وهذا ما يضيف سبباً جديداً إلى إحتمال عدم إجراء الإنتخابات وذريعة أخرى للتمديد.   في هذا الوقت، فإن التمديد أصبح واقعا ولا مفرّ منه، وفيما يتبارز الأفرقاء المسيحيون على رفضه ضمن حساباتهم المسيحية الداخلية، فهم عاجزون عن فعل أي شيء، سوى أنهم يضرسون بينما حلفاؤهم يأكلون الحصرم.