ولا تزال تولد، مجدداً...لم؟ لا تزال تحيا فينا، كيف؟ لا نزال نذكرك، بما؟ ألم نقتلك، ونصلبك، أو ألم يشبه لنا أنا قد فعلنا؟ ألم نلق صخرة عظيمة على قبرك الذي دفنتك فيه سموم حقدنا وأفاعي أنواتنا وعقارب شهواتنا وديدان نفوسنا الخبيثة؟ فكيف أزلتها ونهضت؟ ألم ننكرك سبعين مرة سبع مرات؟ قهراً وغصبا ورفضاً وكبراً وتمرداً؟ لماذا لا تزال تسامحنا أيها المسيح؟ محبتك تغيظنا، إخلاصك يزعجنا، حضورك يبكت ضمائرنا، ولادتك موت لأنانيتنا، كبرك هرم لشياطيننا، موتك إنتصار لشهواتنا، قيامتك قهر لنفوسنا الإبليسية، التي ظنت أنها تستطيع أن تسكر بدمائك المسيلة، فتحولت الدماء في عروقها إلى نار محرقة ألهبت شرايينها، وأحرقتها بالنار، قبل أن ترمي به في غياهب اللامكان، حيث البكاء وصريف الأسنان. هل بدأت علامات ظهورك أيها المسيح المقدس؟ هوذا شعب قد وثب على شعب، وقام ملك على ملك، ونهضت أمة على أمة، ها قد اشتد الجوع، وكثر البلاء، فهل هذا ابتداء المخاض؟ وهل نستطيع يا سيد أن نحيا إلا بك، وهل نستطيع أن نواجه إلا فيك، وهل يمكن أن ننتصر إلا معك؟ قد كثر المسحاء الكذبة يا سيد، وبردت المحبة في نفوس الكثيرين، وأتى العديد يتسمون باسمك، ويقول كل واحد منهم أنه هو المسيح، ولكننا نعلم يا سيد أنهم ليسوا أنت، فأنت قد حذرتنا من هؤلاء المسحاء الكذبة، وذكرتنا أننا يجب أن نعرفهم من ثمارهم. أخبرني يا ابن داوود، ألم تنضج بعد وليمة العرس؟ألم يدعنا الملك إليها؟ ألم نتهاون في الدعوة؟ ونهلك عبيده ونجلدهم في مجامعنا؟ أدخل أيها الملك وانظر الى الجلساء، واطرد غير المستحقين من حضرتك وحضرة أبيك، ماذا تنتظر يا ابن الملك؟ ننتظر مجيئك يا سيد، كالبرق يومض من الشرق إلى الغرب، ننتظر ظلمة الشمس، واحتجاب ضوء القمر، وتهاوي النجوم، وتزعزع قوات السماوات، تعال ثانية يا يسوع الحي بأجنادك السماوية، لخراب هياكل الحقد والبغاء والإجرام، إستنهض أقيالك البررة لنصرة الضعيف والمساكين، ناد أورشليم، وامرها أن تجتمع تحت جناحك، فقد هزلت ومرضت، لكثرة الجور والمرح والبرد، تعال أيها الحضن الدافىء، فالبرد قارس، وقد هجمت الحيات أولاد الأفاعي على الخراف الوادعة الهانئة التي تعيش في كنفك وكنف أبيك القدوس، فشردتها ومزقتها، وقطعت أوصالها، وبثت الشقاق بين ظهرانيها، لماذا تتركها أيها المبارك؟ يا يسوع، هل تذكر تجار الهيكل الذين طردتهم من ساحة هيكل ابيك منذ ألفي عام ونيف؟ وقلبت موائدهم صارخاً بصوتك الذي يزجر الشياطين، ويرعب الملاعين، ويطرد الأرواح النجسة، قائلاً بيت أبي بيت صلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص؟ هذا البيت نفسه يا سيد، اصبح التجار سياسه، وحراس قدس أقداسه، متى تعود مجدداً لتطردهم، وتجلدهم، وتستعيد منزل ابيك القدوس؟ متى أيها السيد الشجاع؟ أورشليم... أورشليم مطلبنا وتوقنا، لكننا قد مللنا إنتظار أورشليم السماوية، ارشدنا ايها الطفل المقمط بالحقيقة الأزلية طريق الترقي نحو اللاذاتية، كي نبني، بوحي منك أورشليم الأرضية، ساعدنا أيتها الحقيقة الحبلى بانوار الحق الشعشعائية، أن نسلك معك دروب الصخر والوعر، ولو دميت أقدامنا وتعبت نفوسنا، وكادت الأرواح منا تتلاشى وتبلغ التراق، فالغاية فيك، والنهاية منك، والهدف إليك وإلى ابيك الآب. توبوا أيها الناس، فقد اقترب ملكوت السموات، المبرئ من البرص والضلال والعمى، هو الصوت الصارخ في البرية يعلو، لنعد طريق الرب، ونسهل سبله، فها هوذا حمل الله الآتي، هوذا الطفل، هوذا يسوع. ساعدنا لنتوب يا يسوع، افتح قلوبنا لنستقبل ملكوت أبيك، المس عيوننا الموبوءة بالبرص والضلال والعمى، واهمس في آذاننا لتزيل الأغشية التي تعيق سماع صوتك الصافي، تعلن ببشارة الملكوت الآتي، باسم أبيك. يا ابن الإنسان، الليلة نحتفل بذكرى ميلادك المجيد، معاً، ككل عام، نجتمع، لنحتفل بك طفلاً متألها، يسوعاً سيداً جليلاً، أنت ايهاذا الطفل الذي بولادته،تغير العالم تغييراً جذرياً، الذي أتى ليتم العهد، ويبدأ العهد الجديد، أنت أتيت يا يسوع لتقيم الموتى وتشفي المرضى وتفتح عيون العميان وتطعم الجياع وتروي العطاش، أتيت لتحمل خطايا العالم، وذهبت، لتعود، بالدينونة ذات اليمين وذات الشمال... آن الأوان أن نشهد للولادة المسيحية، ونعيش روح الرسالة اليسوعية، فلقد مللنا إنتظار أورشليم السماوية، ورقت عقولنا إلى الطلب والرغبة في بناء أورشليم الأرضية...لا نستطيع أن نعيد الميلاد، والناس تقتل، والأطفال تخاف، والبيوت تحرق، والعذارى تغتصب، والآمنون يشردون...نكون في الميلاد، عندما نعيش مع يسوع في آلامه، ومع أولاد يسوع في محنتهم...وكلنا رعاة وكلنا عن رعايانا مسؤولون...نعيش الميلاد حينما ندرك مغزى المحبة اليسوعية، وطعم البنوة الإلهية، نعيش الميلاد، في حقن الدماء، وطمأنة الخائفين، نعيش الميلاد في وقف النزف، ووأد الآلام والمتاعب والمصاعب.نعيش الميلاد، حينما نعطي كما أعطى يسوع، ونعيش سر المحبة، كما عاشها هذا الطفل الملائكي... نستصرخ ضميرك أيها الإنسان المتأله، ساعدنا، أنقذنا، أيقظنا، أو أرسل اجنادك السماويين، لسحقنا وقتلنا، فنرتاح ونريحك، هوذا نحن يا يسوع، أخوتك واخواتك الصغار، الحملان الصغيرة، بين قطعان الذئاب، فلا تتركنا، أرجوك...كل ميلاد، تنتظر القطعان راعيها، لا تتأخر، تولّد يا يسوع...نحبك...