على إيقاع الخطابات العالية اللهجة، والسجالات السياسية والفتور بين الوزراء- القائمين بأعمال الرئاسة الأولى ، بسبب استمرار الشغور في موقع الرئاسة، تلتئم الحكومة اللبنانية اليوم الخميس في السراي برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، وعلى جدول أعمالها موضوع أساسي هو معالجة النفايات الصلبة، واستدراج وتلزيم "كنس وفرز ومعالجة النفايات"، ما يعني، بالمعنى السياسي، "الضرب على مكمن الوجع".

وتشكل هذه الجلسة تحديا "وجوديا" لكل من مطمر الناعمة- عين درافيل، ولمبدأ مركزية معالجة فرز النفايات، كما ستحدد بشكل من الأشكال، مصير مطمر الناعمة بعد تاريخ السابع عشر من كانون الثاني المقبل، الموعد المقرر لإقفاله بشكل نهائي في القرارات الوزارية ذات الصلة.

وتطالب مصادر وزارية من بينها وزير البيئة محمد المشنوق بالتمديد التقني لمطمر الناعمة، بحجة أنه" لا يمكن الاستغناء عنه ونحن بحاجة إليه"، وأن المطمر "يستطيع أن يعمل لعدة أشهر إضافية، وأن الحكومة ستطرح موضوع المناقصات في جلسة مجلس الوزراء، لكن الحكومة تحتاج فترة تقنية لإقفاله، وأن وزارة البيئة تشدد على شمولية الحلول، وأنه لا حل الا من خلال خطة شاملة تتناول كل المحافظات في لبنان دون استثناء.

بالمقابل، يرفض المجتمع المدني اللبناني، والناشطين البيئيين، والبلديات المحيطة، وإلى جانبهم نواب المنطقة ووزرائها والأحزاب والفعاليات السياسية والإجتماعية اي تمديد لـ"مطمر الموت" كما يسمونه.

وتضخم الملف ليصبح "سياسيا بامتياز" خصوصا مع تصاعد الجدل السياسي حوله، ما يؤشر لدخوله البازار، مع تصويب البعض على اللقاء الديمقراطي، ورئيسه وليد جنبلاط، ورد مصادر الأخير على الهجومات باعتبارها "قلوب مليانة"، محملة الحكومة مسؤولية أي تشويش أو فوضى تصيب المواطن اللبناني من جراء تكدس النفايات في الشوارع.

ووضعت المصادر " التراخي والمماطلة" في إقرار المشروع في خانة "الهجوم المعاكس العنيف" على وزراء اللقاء الديمقراطي، للتشويش على الإنجازات الكبيرة التي يقوم بها وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، الذي "تحول إلى رمز لمكافحة الفساد"، ومعيار "المطابقة للمواصفات"، بغطاء كبير من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، ووضع الأخير أمام حرج تكدس النفايات في الشوارع، الذي يصيب بشكل أساسي، سكان بيروت الكبرى عامة، وسكان الضاحية الجنوبية خاصة، التي تنتج يوميا حوالي الألف طن من النفايات، ما يجعله "مزروكا" أمام حليفه اللدود "أبو مصطفى"، وحارة حريك، معتبرة أن هناك مصلحة كبيرة للعديد من الوزراء المتضررين من "الحملة الفاعورية" بأن يرموا بثقل ملف النفايات المعقد على النائب جنبلاط وحده، ويحملوه وزر أي أزمة نفايات مقبلة في حال أصر على موقفه الرافض للتمديد للمطمر.

وتضيف المصادر أن جنبلاط يعي ذلك تماما، وانه لن يبقى في موقع الاستهداف، ولكنه سيقف عند حدود إحترامه لتعهده لأهالي الناعمة- حارة الناعمة، عين درافيل، والقرى المحيطة ولحملة إقفال مطمر الناعمة، والمجتمع المدني، وبطبيعة الحال لن يعطي الغطاء السياسي ولن "يغض النظر" عن قيام القوى الأمنية باعتقال أي من الناشطين الذين رفضوا أو سيرفضوا إفساح الطريق أمام شاحنات سوكلين لمتابعة الطمر العشوائي في "مطمر الموت".

واضافت المصادر عينها أن المواقف "الصاخبة" التي أدلى بها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان المتعلقة بالمطمر، والرافضة للتمديد له، شكل "خطوة استباقية" لمواجهة أي ضغط سياسي من "الحارة" كون جنبلاط يعلم أن "السيد" يراعي حلفاءه إلى أبعد الحدود، ولو اضطر أن يدفع من رضيده الشخصي الكبير لدى شارعه. بالتالي، فإن ادخال جنبلاط للحزب الديمقراطي ولأميره والأحزاب السياسية حتى تلك التي تدخل في صميم قوى الثامن من آذار في الكباش السياسي حول المطمر هي "ضربة معلم"، يقطع الطريق فيها على أي إمكانية لشراء أي تمديد للمطمر من بوابة "لا بديل متاح في الوقت الضائع"، و" بيعنا ياها يا وليد بيك درءا للفتنة".

بالمقابل، إنتقدت مصادر أخرى الخطاب الذي أسمته "الشعبوي والتعبوي"لوزير الزراعة أكرم شهيب، وخصوصا استذكاره ما قاله الشهيد كمال جنبلاط، والذي كرس الخلاف آنذاك مع الرئيس المرحوم كميل شمعون في خطابه أبان استقبال الملك سعود في قصر نجيب جنبلاط حيث قال عبارته الشهيرة "قلنا لذاك زل فزال وقلنا لهذا كن فكانفي إشارة واضحة إلى أنه أزاح الرئيس الشيخ بشارة الخوري وأتى بكميل شمعون رئيسًا للجمهورية، مشيرة إلى أن هذا القول هو "خارج السياق"، وسائلة "ماذا يبقى من التضامن الوزاري بعد هذا الكلام، خصوصا أن وزير الزراعة كان نفسه وزير البيئة في الحكومات المتعاقبة لأكثر من مرة، ومستغربة "الحمية الزائدة" للوزير شهيب.

وسألت المصادر عن "الواقعية السياسية" التي يتعين على الوزير شهيب أن يتحلى بها، خصوصا وأنه يعلم أن أزمة 17 عاما لا يمكن أن تحل "بشطبة قلم"، أو بمؤتمر صحافي ذا سقف عال، مذكرة الجميع أن "حلاوة السكر قد مرت في حلاقيم الجميع يمنة وميسرة"، وان التمديد المتعاقب لمطمر الموت كان دائما يمر بيسر ولطف وسهولة وإن "بالثمن المناسب"

بانتظار ما ستفرزه جلسة اليوم، يبقى كل فريق على موقفه، مع ترجيح بعض المصادر أن يطيح الخلاف بالجلسة، وتؤجل إلى الاسبوع القادم، من أجل إتفاق اللحظة الأخيرة، إلا أن الثابت أن الثمن السياسي للقبول بالتمديد التقني لدى "اللقاء" لمطمر الناعمة باهظ جدا بحجم النقمة الشعبية والمماطلة السياسية...