رغم أن الجامعات هي مؤشّر إيجابي واضح للحضارة والرقيّ الثقافي وبالتالي الإنساني، إلا أنها مؤشر سلبي في مجتمعنا، وكأن الحرب الأهلية انتهت في لبنان ولكنها لن تنتهي في جامعاته.

فتتغلغل السياسة في قلب الجامعات اللبنانية بشكلٍ مخيف، كفيل بالقضاء على مستقبل أجيالنا العلمي، حتى غدت مكاناً تتحكم فيه محسوبيات سياسية، وأصبحت بعض الجامعات أو الفروع حكراً على فئة حزبية معينة تخترقها أقليات شبه نادرة لا تزال تؤمن وتناضل من أجل لبنانٍ موّحد، وذلك رفضًا لسياسة الهيمنة التي تمارسها الأحزاب السياسية اللبنانية في مختلف الجامعات.

فما حصل في الجامعة اليسوعية منذ أيام بدا خطيراً بكل المقاييس. ولا أريد الغوص في متاهات من فعل الإشكال ومن افتعله، ولا أريد أن أبحث في أسبابه الشكلية وأنسى مسبّباته الأساسية، "كلّ الأحزاب فيهن البركة". إشكال معتاد بين طلاب من أحزاب مختلفة، لم يتعدّ حدود التلاسن والشتائم والتدافع، حوّل الجامعة إلى ما يشبه ساحة حرب طائفية، وامتد إلى خارج الجامعة ليكون تلاسناً ونبش أحقاد بين شخصيات سياسية متخاصمة، ظهرت عليها علامات مرض عضال يدعى " 8 و 14".
وأكّدت مصادر في إدارة الجامعة اليسوعية أنّ "إدارة الـجامعة تبحث في طرد طالبين ينتميان إلى 8 و 14 آذار وإحالة 15 طالباً من الفريقين إلى المجلس التأديبي. وأشارت مصادر صحفية إلى أن الإدارة تبحث في اتخاذ إجراءات أمنية مشددة داخل حرم الجامعة لتدارك أي إشكال قد يحصل متخوفة من تحوّل حرم الجامعة إلى خطوط تماس.

أما الجامعة اللبنانية بحد ذاتها وبكلّ فروعها يتهيّأ لك عند دخولها بأنك تدخل إلى مربعات أمنية، وإذا ما كنت طالباً ليس محسوباً على أيٍّ من الأحزاب الفاعلة في الجامعة "أكيد أكلتا". فلا يمكنك حتى الإعتراض بل عليك فقط الخضوع للأمر الواقع والتأقلم مع هذه الفئة الحزبية المسيطرة. ومن يعترض، يتعرّض للابتزاز والتهديد وربما خسارة عامه الدراسي.

نعم هذا هو الواقع المرير الذي يفرض نفسه علينا في الجامعات اللبنانية، ويربّي أجيالاً حزبية ً أغفلت عقولها عن المستقبل المشرق وأدمنت البحث في أحقاد الماضي.

فما الحل لهذه الظاهرة التي تلتهم جامعاتنا وتقضي على أجيالنا؟ هل سيجد هذا التساؤل أذاناً صاغية، وإن كانت صاغية فهل ستكون واعية؟
لا بدّ أن الحلّ يتطلب رؤية واضحة ترفع الجامعات من براثن السياسة الى مستوى أكاديمي حضاري يرتكز على قانون جديد وعصري، ويشكّل لها حصناً منيعاً يجعلها عصيّة عن التدخلات السياسية. وإذا ما قمت باستطلاع لأراء اللبنانيين لوجدت أن الجميع يريد الإرتقاء بالجامعات عن السياسة، ولكن صخور التعثّر تقف دون تحقيق ذلك، وهي نوايا السياسيين الذين يحاولون إبقاء الجامعات رهن مصالحهم السياسية..