هل نحن فعلا عشية اتفاقات وترتيبات دولية جديدة حيال المنطقة ، تعيد تقاسم النفوذ والمصالح ، كالذي حصل بعد الحرب العالمية الاولى في اتفاقية سايكس بيكو ، وبعد الحرب العالمية الثانية في اتفاقية يالطا . سؤال يطرح بقوة في أيامنا الحاضرة ، في ضوء وقائع المفاوضات الجارية في المدينة السويسرية  ًجنيف ً بين دول ما يسمى بمجموعة الخمسة + ١ من جهة ، وإيران من جهة ثانية ، هذه لمفاوضات التي يفترض ان يتم من خلالها نوع من المقايضة تفضي الى تخفيف العقوبات الاقتصادية التي ترزح تحتها طهران جراء الإجراءات الغربية ضدها منذ سنوات ، في مقابل تحديد قدرات ايران في مجال الانتاج النووي ، وهو ما يشكل مصدر قلق حقيقي بالنسبة للدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة وحليفتها الاولى في المنطقة  ًاسرائيل ً . 
أجواء الجانب الإيراني كانت خلال الساعات القليلة الماضية تشير الى تقدم جيد بحسب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قياسا لتعقيدات ملف عمره ما يفوق العشر سنوات ، غير ان ظريف يشدد على ان تخصيب اليورانيوم هو جزء من أية مفاوضات على الحل ، لافتا الى قساوة المفاوضات مع احدى الدول في مجموعة الست في إشارة منه الى فرنسا التي يقول وزير خارجيتها لوران فابيوس انه يسعى الى ما يصفه  ًبالاتفاق المتين ً، وقد يكون الوزير الفرنسي يقصد بالاتفاق المتين ، بانه ذاك الاتفاق الذي لا يتيح لإيران أية امكانية مراوغة او تحايل او عملية التفاف إزاء ما يطلبه الغرب منها في المجال النووي . 
ولا شك ان توجه وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين اضافة الى المانيا ، للانضمام الى الطاقم الديبلوماسي المفاوض ، كما جرى في جولة المفاوضات السابقة اوائل هذا الشهر في جنيف ، يعكس مدى الإصرار الغربي وتحديدا الاميركي في اتجاه الدفع للتوصل الى اتفاق ، نظرا الى إخفاق جولات التفاوض الماضية في الخروج بنتائج ترضي كلا الطرفين .
واذا كان ما يعلن ويسرب عن ان الاتفاق المفترض ، سوف يكون مرحليا وتجريبيا لمدة ستة اشهر ، فهذا لن يخفف بالطبع من توجس كبير يعيشه الكثير من المراقبين والمحللين ، فضلا عن أبناء المنطقة عموما ، حيال الغموض الذي يحيط بما يطبخ في جنيف ، وما اذا كان سيقتصر على الملف النووي الإيراني ام انه سيشمل - وهذا ما يرجحه هؤلاء المراقبون - كافة الأزمات والقضايا الساخنة في المنطقة ، والتي تملك ايران دورا كبيرا في مسالة حلحلتها ، بما يفضي الى رسم خارطة نفوذ وتقاسم مصالح جديدة في الشرق الاوسط ، تعيدنا الى أوضاع شبيهة بما جرى إبان وفي أعقاب انتهاء الحربين العالميتين الاولى والثانية .  وعلى خط مواز ، لا يعرف بالتالي ما سيؤدي اليه الغضب الاسرائيلي مما يجري في جنيف ، بالاضافة الى الامتعاض السعودي الكبير  والذي تمظهر في ساعات قليلة خلت ، بتوجيه تحذير من قبل السعودية للغرب - بحسب ما أوردت صحيفة  ًالتايمز ًالبريطانية - بانها لن تقف مكتوفة الأيدي ، اذا فشلت الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى في كبح برنامج ايران النووي ،  ويقول السفير السعودي في لندن ان كل الخيارات متاحة امام دول الخليج الغاضبة والقلقة ، في تلميح الى امكانية ان تنجر الى سباق تسلح نووي مماثل .  
اين يقف لبنان وسط كل ذلك ، وما هو حجم المساومة على سيادته وحرية قراره ، في هكذا صفقة او تسوية او اتفاق ، من جديد يطرح السؤال ولا سيما بعد ما لفتت اليه مصادر ديبلوماسية من ان انجاز الصفقة قد يشمل لبنان وسوريا والعراق ، حيث تشترط ايران تعزيز نفوذها في هذه الدول ، في مقابل اشتراط الولايات المتحدة حسم موضوع سلاح حزب الله ، وهنا تتضح اكثر فاكثر صورة الوضع اللبناني الذي سيبقى الى اجل غير مسمى في ثلاجة الانتظار ، ريثما ينهي الكبار ما يعدونه لأحوالنا ومصائرنا ...