ما زال البركان السوري هائجاً يدمر ما تبقى من شعبٍ ووطن، وقد غطى دخانه المتصاعد المنطقة حتى بات وضع المنطقة برمتها ضبابياً خانقاً في انتظار أن يتبلور المشهد السوري، ويبقى الرهان حالياً على نتائجمؤتمر "جنيف ـ 2" الذي تقرّر عقده في 23 الشهر المقبل وفق ما أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربيّة نبيل العربي أمس في ضوء الاتصالات الأمريكية-الروسية. مشيراً إلى وجود صعوبات كثيرة لا بد من تخطيها لعقد المؤتمر. وأكد العربي أن الترتيب والإعداد لهذا المؤتمر قائمان، وأن الهدف منه هو تنفيذ وثيقة "جنيف-1" التي نصت على ضرورة أن تبدأ مرحلة انتقالية وتشكيل هيئة حكومية من النظام والمعارضة ذات صلاحيات كاملة، وأوضح أن المهم هو وقف إطلاق النار وحقن الدماء. 

في غضون ذلك، يبدأ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاته في إسطنبول غداً لاتخاذ قرار نهائي حول المشاركة في مؤتمر جنيف من عدمها. والآراء منقسمة داخل الائتلاف بين من وافق على حضور المؤتمر الذي سيشارك فيه ممثلون عن النظام السوري، ومن يرفض المشاركة بتاتا ما لم يكن محور التفاوض تغيير النظام وبدء مرحلة انتقالية ديموقراطية.
ومن جهته أشار عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض سمير نشار في تصريح لـه إلى أن مشاركة الائتلاف في "جنيف 2" سيقررها اجتماع الهيئة العامة للائتلاف مطلع الشهر المقبل. وأضاف أن المجلس الوطني السوري حسم خياره في عدم المشاركة في "جنيف 2"، وهذا الموقف ليس رفضاً للحل السياسي، إنما لعدم توفر الحد الأدنى من مطالب الثورة السورية، وفي مقدمتها أن تتم العملية السياسية بدون بشار الأسد، الذي يجب أن يتنحى عن السلطة وألا يكون له دور في العملية الانتقالية.

وبالإضافة إلى انقسام المعارضة وتراجعها بسبب عدم تسليحها وحربها على عدة جبهات، الجيش النظامي من جهة وعناصر حزب الله اللبناني من جهة ثانية، والفصائل المسلّحة التابعة لتنظيم القاعدة من جهة ثالثة، هناك حاجزاً آخر يقف في وجه "جينيف-2". وترى مصادر ديبلوماسية أن هناك عجزاً أوروبياً ظاهراً عن الذهاب إلى أجندة مختلفة غير مرتبطة بالأميركيين، ما يترك الأوضاع في مراوحة ومن دون أيّ تقدّم. حيث أن أمريكا وأوروبا تشعران بأنهما مطالَبتان بتنسيق المواقف مع دول الخليج العربية التي تدعم قوى المعارضة السورية. ما لم توافق السعودية وقطر ومعهما تركيا على حضور مؤتمر جنيف-2 فإن فصائل المعارضة السورية الموالية لها لن يكون في مقدورها المشاركة في المفاوضات المنشودة.
ثم، هناك اسرائيل التي تعارض أي تسوية نووية مع إيران، وقد تقوم بخطوات سياسية وميدانية لتعطيل التقارب الحاصل بين واشنطن وطهران ما ينعكس، بالضرورة، سلباً على مؤتمر جنيف-2، وعلى هذا الأساس لا تعوّل أيّ آمال على "جنيف ـ 2" حتى الآن. ولن يتوافق صغار اللاعبين قبل توافق كبار اللاعبين في حلبة الصراع الدولي التي امتلأت بدماء الشعب السوري، الذي بات لا ينتظر من اللاعبين على جثث أطفاله إلا رصاصة الرحمة الأخيرة.