أشهر انتفاضته على القلم وقرر أن ينتقم من الحياة بكتابة الشعر فكانت أشعاره مليئة بالألم والايمان ...
شاعر وعازف موسيقي وبين هذا وذاك يعبر عن تلك الروح المتوقدة المليئة بالسموّ والاحساس ...
إنه الشاعر الاستاذ ميشال شماعي وهذا الحوار ...

1 . في البداية نريد أن نتعرف اكثر على شاعرنا الاستاذ  ميشال شماعي

ميشال شماعي مواليد صيدا 1977

طفولة جنوبية بامتياز في طبيعة قريتي عدّوسيّة ومغدوشة ومن ثمّ غصّة الاقتلاع من طبيعة مغدوشة على أثر تهجير العام 1985 وعيش فترة انسلاخ عن وطن الطفولة في قرية برمانا المتنية ومن ثمّ الاستقرار في عين الرّمانة من العام 1989 إلى حينه.

تنقّلت  في  مدارس الفرير بين بيت مري وفرن الشباك فالمون لا سال عين سعادة.

حائز على بكالوريا تعليميّة في الفنون فرع الموسيقى

عازف موسيقي وأستاذ مادة الموسيقى  في  متوسطة فرن الشباك الرسمية

حائز على دراسات معمّقة في اللغة العربية وآدابها  من جامعة الروح القدس الكسليك

وأتابع تحضير  أطروحة دكتوره في المعهد العالي للدكتوره التابع للجامعة اللبنانيّة.

أدرّس اللغة العربيّة في مدرسة سيدة الملائكة للآباء الكبوشيين  بدارو لصفوف المرحلة الثانويّة.

ناشط في  مجال حقوق الانسان وباحث وكاتب سياسي.

2 .كيف بدأ شاعرنا الكريم رحلته الى عالم القصيدة ومتى اشتعل القلم بلهيب الروح

ابتدأ الشّعر عندي في مراحل المراهقة  بعد صراع  مع الألم ما زال مستمرّا حتّى هذا اليوم. واشتعل القلم  بعد رقاد  سريري دام لأكثر من خمس سنوات وبعد انتفاضتي على القلم قررت أن أنتقم من كلّ ما فاتني من الحياة  بكتابة الشعر. فأتت  أشعار المرحلة الأولى مليئة باليأس والألم احتفظت بالقسم الأكبر  منها. وبعد تماثلي للشّفاء النّفسي فقط سبرت أغوار الشّعر انطلاقا من ثنايا روحي  وشذرات إيماني بربي وإلهي يسوع المسيح الذي أنقذني بشفاعة القديس شربل الذي ترك بصماته  في شفائي النّفسي وله الفضل الأكبر في قوّتي اليوم على تحمّل كلّ آلامي ليبقى قلمي سيّدا على ألمي  وليس مسودا به.


3 . يقولون وراء كل شاعر مجموعة من الشعراء من هم الشعراء الذين يتأثر بهم الشاعر ميشال شماعي .

لقد بنيت مملكتي الشّعريّة كما سبق وقلت على أنقاض آلامي ولهذا السّبب كان  لا بدّ لي  من التأمّل في كتابات  كلّ من عاقر الألم بالجسد والرّوح. يأسرني شعر خليل حاوي ومسيحانيّاته في  الشّعر فضلا عن كتابات جبران النّثريّة في الظّاهر لكنّها لا تنضح الا بالشّعر، كما أنّني أجد بيئتي  وذاتي لا  سيّما في مراحل طفولتي  المتنقلة  بين العدوسيّة ومغدوشة وبرمانا في أشعار الرّحابنة البسيطة والنّابعة من رائحة الزّعتر والسّماق. ولا أنسى طبعا الشّاعر الكبير جوزف حرب كوني اخترت  مؤلفاته موضوعا لأطروحتي.

4 . ما هي الروافد التي صنعت تجربتكم الشعرية ؟

أبرز ما حاك أنسجة شعري الطبيعة  بكلّ تفاصيلها من فصولها إلى بحرها  الذي يعني لي الكثير ( من أحبّ الألقاب على قلبي البحّار) وأعني هنا الطبيعة التي ما زالت  راسخة في ذهني  من أيّام الطّفولة وشوقي إليها يجعلني اتصوّرها  كما  عشتها برغم  سكني  في  المدينة.

ولا  أنسى الألم الذي عانيته وأعانيه فهو رافد مهمّ من روافد شعري لأنّه مدّني بأكثر  من موضوع وقصيدة.

فضلا عن فراق والدتي وما  تركه هذا الفراق  من أسى في  حياتي ما زال كما كان في  اللحظة الأولى.

كذلك عائلتي التي لأجلها  أسعى لأن أصل  إلى الشّمس تبقى رافدي  الأوّل زوجتي مارلين وابناي  مجد وفادي  وابنتي  تريزا  التي انتظرت رجوع أميّ فيها ورجعت  بعد أربع سنوات فقط.


5 . ماذا عن الرواية او القصة ؟ هل خضتم غمار هذه التجربة  .

حتّى هذه اللحظة، تجربتي  متواضعة في  هذا المجال لم تبصر  النور  بعد، لكن  هنالك مشاريع مستقبليّة سأسعى لتحقيقها لكن الشّعر يبقى اهتمامي  الأوّل.


6 . ميشال شماعي  كناقد  ماذا يقول لنفسه ماذا يقول عن قصائده  .

لنفسي  اوّلا أنا  ما زلت  تلميذا في  مدرسة المرأة وسأبقى إلى أبد الآبدين سأتعلّم منها كلّ شعري وأرسمها  في  أشعاري  لوحات جبرانيّة وميكلنجليّة لن تموت أبدا. وأطلب  من ربّي  وإلهي  أن يعطيني  نعمة قراءة  رسائله لي في  كلّ حياتي  ليبقى  شعري  تحت جناحيه. أمّا عن قصائدي فهي لا  يمكن أن تقرأ الا منفصلة عن الزّمان المادي  ومعتقة من كلّ مكان. لتفهم قصائدي أنت بحاجة لأن  تحلم لأنّني أسعى لأنقل  قارئي إلى عالمي حيث  أصوّر امرأتي  كما أريد في رحاب  طبيعتي.


7 . برأيكم الشعر رسالة أم هواية  ؟

الشّعر يبدأ مع كلّ إنسان كهواية هي  بمثابة وزنة وهبه إيّاها الخالق إمّا أن يطوّرها لتصبح رسالة وإمّا أن  يدفنها قتموت.


8 . ما هي رسالة الشعر والشاعر برأيكم وما هي رسالتكم كشاعر ؟

نعم الشعر  رسالة ودوره تغيير  العالم من خلال  معالجة كلّ مشاكله و هنا  تكمن براعة الشاعر ليس  في  نقل  او تصوير  الواقع  بل  في  تجميل  رؤيته  وإعطاء  القارئ  الصورة المثلى لما يريده الشاعر  من هذه الدنيا.

واليوم دور الشّعر الأساسي  هو  رسالة وأنا أسعى  في  رسالتي  الشعريّة لأن أرسم عالمي  كما  أريده، خال من الأحقاد والضّغائن وكلّ الشّوائب ، إذا  شئت قل  عالم اللحظة الأولى، لحظة الطّهر الأولى أي  قبل  أن تؤكل  تفاحة آدم. سأعيد امرأتي  إلى زمن ما  قبل  حوّاء آدم. امرأتي  في  الشّعر  سيكون عمرها من لحظة ولادتها  حتّى لحظة لمسها التفّاحة المحرّمة وسأطيل  هذه المرحلة ما  حييت.

 

 

9 . عندما يكتب الشاعر عن الحب أو العشق هل يكتب الحقيقة برأيكم

لا  يكون الشّعر الا وليد مثير  ما  stimulusكما يقال في  علم النّفس. هذا المثير  وحده يحرّك الشّاعر  لتأتي  مشاعره  صادقة والا تحوّل الشّعر  إلى مادّة إعلانيّة. فالشّاعر  عندما  ينجح في  كتابته موضوع حبّ لا  ينجح الا لأنّه يصوّر واقعا أو حالة عاشها  أو بأبعد تعديل  حالة  سيعيشها  فيما  لو وجدت، وأعني  هنا  ما أقول.


10 . ماذا عن كتاباتكم في الحب هل هي من عالم الخيال  ام هي قصص واقعية ؟

أنا شخصيّا لا  أتقاضى  بدلا  لأكتب  عن الحبّ، من هذا المنطلق  كلّ كتاباتي  عن الحب  أتت نتيجة تجارب سابقة في  الحبّ أو حتّى إن  شئت  قل  حقل  اختبار  لما  سأعيشه أو بالحري  أعيشه اليوم. أنا لا  أكذب بمشاعري  وأحاسيسي وحتّى لو لم تكن الحادثة المصوّرة  في  قصيدة حادثة واقعيّة تأكّد يا  أستاذي  الكريم أنّ هذه الحادثة متى وقعت سأعيشها  كما  صوّرتها  في  قصائدي.


11 . تعددت لغة الشعر في واقعنا الحالي وثمة ما يشبه الصراع بين القديم والحديث لأي شعر ينتصر ميشال شماعي  ؟

أنا لا  أنعتق  كليّا  من تاريخ الشّعر  القديم فهو نهج وضع الأسس لننطلق  إلى الشعر  الحديث  بعد تطويرها. باعتقادي التاريخ الشعري يجب  ان نتعلّم منه  لنعيش  تجارب الذين  سبقونا  لكن بأسلوبنا الحديث، إذ ما الفضل الذي يعود لنا  إن كرّرنا  أسلافنا؟ لكن كلّ ذلك  لا  يعني  أنّ الشعر  الحديث  لا أساليب  فنيّة فيه، بل  العكس  تماما أن تكتب  متفلّتا  من كلّ قيود وتضه اللمسة الشّعريّة في  كتاباتك هنا  تكمن الصّعوبة. لذلك ان أحبّذ كثيرا الشعر  الحديث  المنعتق  كليّا  من القيود القديمة والملتزم بالقيود الفنية الحديثة كتقنيات تنافر  وتناغم الحروف والصيغ الأسلوبية كالتوازن والتوازي  والتكرار واستخدام الصورة الجميلة التي  تنبثق من واقعنا  الحالي  ومن اشتياقنا  لواقع نريده وليس  بكاء  على طلل  من هنا  أو تذكّر حبيب  من هناك.


12 . هل يصل الشاعر إلى ما يريد  ؟ هل وصل شاعرنا ميشال إلى ما يريد ؟

متى وصل  الشّاعر  إلى ما  صبا إليه فقد حماسته الشّعريّة. لذلك أقول  أنّ الشّاعر  يجب  الا يصل  إلى نقطة وصول  فيستكين ويرتاح بل  العكس  تمام يجب  ان  يكون الشاعر سرمديّا لا  ينطلق  من أزل ولا  يصل  إلى أبد.

أمّا بالنّسبة إلىّ انا  شخصيّا  أسعى لتحقيق  السرمديّة الشّعريّة  وأقول  لك  وأنا كلّي سلام واطمئنان بأنّه  لا  يوجد ما أريده " واحد" لأصل إليه بل كلّ ما  وصلت إلى واحد أسعى الى الأبعد منه. هكذا لن أموت وسأبقى في بال كلّ من سيأتي  من بعدي. سيقولون عنّي بعد  رحيلي أنّني حقًّا كنت سرمديّا وسأسعى بكل ما أوتيت من قوى لأنّ أحقق  هذا ال " ما  أريد "


13 . ماذا عن كتاباتكم الشعرية هل صدرت لكم ايه منشورات يمكننا ان نتعرف عليها  ؟

لي  مقالات كثيرة على مواقع إلمترونية فكرية وثقافية  وسياسيّة في  مواضيع مختلفة لا  سيّما في  الشّق الوطني لما يعني لي لبنان  شخصيا.

ولي  دراسة  لم تنشر  بعد بعنوان:

المسيحيّة في  فكر الدكتور شارل مالك"

وفيها فلسفتي  وفهمي  لمبدأ الكيانيّة اللبنانيّة التي كان عرابها  مالك.

وصدر  لي  في 8 كانون الأوّل  2012 كتاب شعر  بعنوان : في  أحضان القمر  عن مؤسسة الرحاب  الحديثة، وهو في  هذه الأثناء  يجول  في  العالم العربي  مع  دار النشر بعد ان حقق  المرتبة الأولى في  المبيعات في  معرض  البيال 2012 بحسب  النشرة الثانية للمعرض.

واليوم أنا بصدد تحضير  كتاب  شعر جديد أشرف على نهايته


15 . هل لنا أن نتعرف إلى مجموعة من قصائدكم ؟ ( نماذج عن كتاباتكم )

 

كَوْني ...

اليومَ ضربْتُ إزميلي في  صخرِ  الولاده...

ولادةُ كوني ...

اليومَ قَمَرْ ... وكلُّ ما  على بالي  خَطَرْ.

في  أحضانِهِ، رمَيْتُ أحلامي،

وأطْلَقْتُ مَسِيرةَ أيَّامي...

اليومَ قَمَرْ ... والغدُ قَدَرْ... والآتي ...

لن يكونَ المُنْتَظَرْ ...

الأمنيةُ الأخيرة  

أنتظركِ واللّيلُ يرزحُ تحتَ نِيرِ الصّقيعْ

يأسُرُني على كرسيِّ الشّوقْ،

أنتظرُ تنفيذَ حكمِ الإعدامْ.

المحكمةُ فارغةٌ لا عيونَ فيها

تأكلُها الألسنهْ...

صدَرَ الحكمُ، هل يقبلُ استئنافْ؟

أم حانَ وقتُ الرّحيلْ؟

أهي اللحظةُ الأخيرهْ؟

دربٌ أَسِيرَها وأنا أَسِيرُها،

أمامي الصّلبانُ أمطارٌ

تنهمرُ على جسدي رذاذَ ربيعٍ

فتحيي فيه الآلامْ،

وتصيرُ الدّربُ جلجلةَ فَرَحْ.

أروي ترابَها من دمي،

وأنحتُ حجارتَها بعري قدميّ نقوشاً نقوشا،

فيها الوجوهُ متجهّمةٌ والأيدي أكلَتِ الزّمنْ.

رياحٌ تشجُبُ أشجارَ الشّوحْ

والحورُ يضربُ الغيومَ بشَعرِهِ الأصفرْ

والصّفصافةُ تمارسُ سحرَ التّعرّي أمامي،

اليومَ آخرُ المشوارْ

والحكمُ مبرمٌ سينفّذْ.

ومَنْ أصدرَ الحكم؟

نفسي بنفسي على نفسي.

إخترتُ حبلاً من شعرِك

وجعلتُه عاشقَ غصنِ الأرزْ،

وفي نهايتِه طوّقتُ جيدي...

تركتُ جسمي لكانون

سيأكلُه الصّقيعُ...

فهو أعدَّ الوليمةَ من لحمِه الحيّ،

الخمرُ فيها حبٌّ والقربانُ أمل

لكنْ... قبلَ الوليمةِ... الأمنيةُ الأخيرهْ.

ليتَ الدّروبَ كلُّها عيناكِ،

مزروعةٌ جدائلُك الشّقراءُ قمحَ حقولِها

والدّقيقُ في معاجنِها طحنَته أضلعَك

ليصبحَ خبزاً، في عالمي يدورُ ويدورْ،

يُخبَزُ على نارٍ أشعلَها ملمسُكِ الطّاهرْ

وحالما يصطادُه نسيمُ البحرِ العليلْ،

يستحيلُ كغصنِ شتاءٍ عارٍ.

أمّا الخمرُ فمن كرومِ نهديكِ عُصِرْ،

فانسابَ بين أناملي يغسلُ كفرَها

ليملأَ كأساً فيها العذارى سكارى،

كلّها طهرٌ وأحلامُ الوردِ والنسيمْ.

أشربُ ليطيبَ دائي

لكنْ... المفارقهْ

دوائي يصيرُ داءً عنه لا غنى

يحملني لدنيا توليبْ

فيها الألوانُ ترسمُ التجريدْ

يمحو كلَّ التّجاريحْ.

وجناحُ السّنونواتِ يظلّلُها،

فيها نكونُ وحدَنا بَشَرْ

ندرِك شجرةَ الحكمةَ والمعرفهْ،

لا نأكلُ التّفاحةَ وإنْ من يدِ حَمَلْ

لنبقى حيث وُجِدْنا

مَن أرادَنا معاً أن نكونْ.

 

 

أغارُ من البحر  

أَنْشَدَ شذاكِ في قفارِ الدّنيا

وزَرَعَها رذاذاً لموجِه

أشعلَ من ذأجِها براكينَه.

براكينٌ مدفونةٌ في قاعِه،

وسادتُها اللآلئُ والمرجانْ،

وببساطٍ من رملٍ معجونٍ بالدّموعْ

تَدفُنُ لهيبَها وتنامْ.

هي براكيني في قاعِ البحرْ

أجَّجْتِها لمّا زرتِهْ.

دغدغتِ أطرافَه بأطرافِك

فاستحالَ اللازوردُ مرجاناً لمّاعا.

لم يستطعْ إخفاءَ صدفِ الموركسْ،

لوّنَ خجلَ صخورِه من رحمِها.

وعندما عشِقَتْكِ الشّمسُ بنارِها،

كويتِها بسمرتِك العاريهْ،

فتدلّتْ من جسدِكِ حُبيباتُ عنبٍ أبيضْ،

عصرتُها وبها ملأتُ كاساتي...

تركتُها تُسكرُني علّها تُنشيني لتُنسيني،

وفي دنيا المجونِ ترميني.

أحسدُه... أغارُ منه

تمتّعَ بملمسَك الطّاهرَ قبلي

وعاقرَ شفتيكِ... أيضاً قبلي،

وبشمسِه كوى صقيعَك... أيضاً قبلي،

وبحبيباتِ رملِه أقفلَ مساماتِك

ثمَّ عادَ وافتتحَها بدمعاتِه.

بموجاتِه غطّى عريَك،

وبشبقِكِ صخورَه شَبَقْ.

في سمائِه زرعَ طيوراً لتظلِّلَكِ،

على أديمِ جسدِك...

نبتتْ أوشامُ الخطايا،

رسَمْتُ تنهيداتي تماثيلَ كلامْ،

تعترفُ بحبّي لك

تدلِّلُكِ...

تدورُ بك من كونٍ إلى فلكْ

فتتوّجُني على عرشِك ملكْ.

وبعدْ... ينامُ البحرُ على ذراعيك

تحملينَه كطفلٍ أضناهُ اللّعبْ،

ترمينَه في ساحاتِ قلبي

وعلى وسادةٍ من قُبَلْ،

تتركينَ جسدَك

وترحلينَ في روحي.

 

 

كيف نفترق؟  

صفُّ صفصافٍ يصطادُ الهوى

والهوا يهوى الهلالَ الهربانْ

تاركاً وراءَه ظلالُ الوحشهْ.

الأوراقُ تتعاركُ في كونشرتو الرّحيلْ

أمّا السّمفونيّةُ الكبرى فعندَ اللقاءِ تكونْ.

كيف أنسى... تلك الأشجارْ،

يوم مارسَتِ الغرامَ على إيقاعَ رحيلَنا

والليلُ يجودُ في ظلامِهِ ليخفيَ عريَنا

أوراقُ خريفٍ وربيعٍ، صيفٍ وشتاءٍ طوّقَتْنا

والقُبَلُ حاكَتْ نسيجَ العشقِ منها.

وعلى الدّربِ زرعْنَا حجارةَ شوقٍ أصمّْ

لا يجرؤ على الكلام،...

وافترقنا.

 

افترقنا والليلُ بلا قمرْ

تركْنا الدّربَ بلا أغطيهْ

مزّقَتْها صولاتُنا الرّبيعيّةُ وجولاتُنا الخريفيّهْ

فالحجارةُ والتّرابُ والنّدى كوتْها نسائمُ عشقِنا

وباتَتْ كلُّها عناصرَ حياتِنا الجديدهْ.

نحياها في عتمةِ شمسٍ تمّوزيّهْ،

القمرُ نَهِمْ...

لا يتركُ شعاعاً منها للرّحيلْ

يفترسُها ويفترشُها فراشَ فراشاتْ

تأكلُ من جسدينا ما لم يسترْه نورْ

وتبدأُ السمفونيّهْ.

 

آهاتُ كماناتٍ تلفظُها شفاهُ النّاياتْ

حتّى الصّفصافاتُ نزعَتْ عنها أوراقَها

واستعدَّتْ للرّحيلْ.

ها هي انتصبَتْ مع رعشاتِ أوتارِ العودْ

تلفظُ دندناتِ "لونغا" أبكتْ نغماتِ "الصَّبَا".

وحفيفُ الأصابعِ على مفاتيحِ "البيانو"، يعلو

ولا يطغى على حفيفِ جسدَينا.

وصلتِ السّمفونيّةُ كنهرٍ جارفٍ يخترقُ البحرْ

نهايتُها لم تكتبْ بعدْ.

لكنْ لحظاتُ الشّبقِ الموسيقي تنفخُ الأبواقْ

فتصدحُ أنغامُ النّهايهْ

ونفترقْ.