منى خويص

صحيح ان سلاح حزب الله خطير، وصحيح انه يقف بوجه كل السلوكيات الديمقراطية في البلد، وصحيح ايضاً انه يمارس الضغط والترهيب على الحياة السياسية في لبنان، لكن الأخطر من السلاح الذي بحوزة الحزب، عملية التثقيف الذي يُخضع لها جمهوره والتي يحاول تعميمها على كامل الخريطة المجتمعية في لبنان.انه مشروع قلما عرفته الساحة اللبنانية بهذا المستوى وهذا الحجم. تلك الثقافة جعلت منه مجتمعاً مصغراً مماثلاً للمجتمعات التوتاليتارية وللديكتاتوريات التي عرفها العالم عبر تاريخه، فصور احتفالاته في الساحات والميادين، توقظ في المخيلة تلك الصور التي كانت تنتشر في ساحات المانيا زمن هتلر وفي موسكو زمن ستالين.خطابه الالغائي والتخويني نسخة عن خطب الانظمة الديكتاتورية التي لا تنتعش ولا تقوم الا على الغاء الآخر، ابعاده، نفيه واحياناً كثيرة تصفيته. داخل تلك الانظمة لا مكان لأحد خارج الاجماع العام إما انت مع صوت القائد الذي لا صوت لأحد سواه، وموالٍ له وخاضعاً لاحكامه والا فانك تقف على ضفة العداوة.

انه صورة عن تلك المجتمعات التي تتميز بالانغلاق، المجتمعات المقفلة ، التي لا صور فيها الا صورة القائد، حتى العصافير لا تغرد في سمائها. فقط صدى كلماته تحتل المساحة وسط تصفيق الجماهير وهتافاتهم "بالدم بالروح نفديك يا... "! لا شي في هذه المجتمعات خارج اجماع القيادة والجماهير المنصهرة ببعضها البعض...وحدة جامعة ، تشبه الزي الرسمي، بين كل عناصرالمجتمع في الثقافة والسياسة والاجتماع تماماً كمشهد الصينيين ابان حكم ماو...مجتمعات اكثر ما يميزها غياب كل علامة فارقة عن صورة الملايين الموحدة وغياب اي ابداع عن تلك الحلقة... يتمايز حزب الله كحزب عن كل التجارب الحزبية التي عرفها لبنان خلال مسيرته السياسية منذ الاستقلال وحتى اليوم. لم تعرف طائفة في لبنان نموذجاً كالذي جر اليه حزب الله قسماً من الطائفة الشيعية ، ويبدو انه يسعى، ومن خلال عملية التثقيف والتدخل في اكثر من مكان في مجالات تعتبر بابعادها قمعاً للحريات او ارساء منطق جديد يقوم على المراقبة الصارمة للناس على انفسهم على غرار ما يحصل في الانظمة الامنية، ان يعممه على الارضية اللبنانية بمجملها... فهل من يتنبه لهذا المشروع ويرص الصفوف لمقاومته للوقوف بوجهه من اجل لبنان الملون لبنان العيش المشترك ام ستبقى القيادات السياسية فيه منشغلة باحجامها واوزانها ومغانمها من السلطة،الى ان تستفيق يوماً ما على ملك ضائع لم يبق منه الا الذكرى وتقضي ايامها تبكي كالنساء ملكاً لم تحفظه كالرجال؟