خمسٌ وثلاثون عام على تغييبه ونحن ننتظر..غيّبوه في ظلمة نفوسهم وما أدركوا أننا شعب الانتظار..

 في مثل هذا اليوم من كل عام تتجدد ذكرى المأساة الوطنية الكبرى المتمثلة بتغييب وإختطاف إمام الوطن والمقاومة، ويتجدد الألم العميق والإحساس بالغضب والحزن في آنٍ واحد لهذا الظلم الكبير الذي لحق بالإمام ورفيقيه من جهة، وبوطنهم وشعبهم وعائلاتهم وقضاياهم العادلة من جهة أخرى.
الإمام السيد موسى الصدر هو ابن السيد صدر الدين من جبل عامل في جنوب لبنان، ولد الإمام في 4 حزيران 1928م في مدينة "قم" في إيران وتلقى في مدارسها الحديثة علومه الابتدائية والثانوية، كما تلقى دراسات دينية في كلية "قم" للفقه.

تابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة طهران، وكانت عمّته أول عمامة تدخل حرم هذه الجامعة، وحاز الإجازة في الاقتصاد.انتقل في سنة 1954 إلى العراق، وبقي في النجف الأشرف أربع سنوات يحضر فيها دروس المراجع الدينية الكبرى.
عادالإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان، أرض أجداده، أول مرة سنة1955.وأنشأ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، وصادفت الأشهر الأولى من بداية ولاية الإمام اعتداءات اسرائيلية على منطقة الحدود الجنوبية فأخذ يسعى لحماية جنوب لبنان وأهله، ودعا المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية وللمؤامرات التي تدبرها اسرائيل لتشريد اللبنانيين من أرضهم وأعلن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل".

وفور انطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية بتاريخ 13/4/1975، بادر الإمام الصدر إلى بذل المساعي الحميدة والجهود النبيلة لدى مختلف الفرقاء، لخنق الفتنة وتهدئة الوضع.

وتجدر الإشارة إلى مواقف الإمام التي قلّ نظيرها في زمن التحريض والفتنة الذي نعيشه اليوم في لبنان، حيث اعتصم متعبداَ وصائماً ولم ينهِ اعتصامه إلا بعد أن تلقى وعداً بتبني المطالب المطروحة والعمل على تنفيذها. وسارع إلى منطقة بعلبك -الهرمل ليعمل على فك الحصار عن قرية "القاع" المسيحية وتهدئة الأوضاع في المنطقة. وكلماته المحفورة في ذاكرة اللبنانيين مسلمين ومسيحيين يوم قال: "إن كل طلقة تُطلق على دير الأحمر أم القاع أو شليفا إنما تُطلق على بيتي وعلى قلبي وعلى أولادي، وأن كلّ فردٍ يساعد على تخفيف التوتر أو إطفاء النيران إنما يساهم في إبعاد النار عني وعن بيتي وعن محرابي ومِنبري".

حقاً تعجز الكلمات عن وصف هذه المواقف النبيلة والعظيمة في زمن الفتن والفتنة التي تلتهم مجتمعاتنا.
واتجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته إثر الاجتياح في 14/3/1978 وجد الإمام الصدر، قياماً منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع، داعياً لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبهمن فكيّ العدو الإسرائيلي.
وتلقى الإمام في هذا الإطار دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي ولبى الإمام الدعوة.
يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، سافر ولم يرجع بعد، شوهد في ليبيا مع رفيقيه ، لآخر مرة ، ظهر يوم 31/8/1978.

 وانقطعت أخباره هو ورفيقاه، وأثيرت ضجة عالمية حول اختفائه، بينما أعلنت السلطة الليبية بتاريخ 18/9/1978 أنهم سافروا من طرابلس مساء يوم 31/8/1978 إلى ايطاليا على متن طائرة "أليطاليا".

إنتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية.
ومن ذلك الحين تنفي السلطات الليبية معرفتها بمصيره و تدّعي مغادرته لإيطاليا التي تنفي بدورها وصوله إليها.
واليوم وبعد أن مضى 35 سنة على اللغز الذي أسهمت في ارتكابه أطراف محلية وعربية ودولية ونسجت خيوط الغدر والخيانة على شخصية أثارت الجدل بنبلها ومواقفها الجريئة التي هزت عروش الطغاة وزلزلتها. ما زال اللبنانيون يحييون هذه الذكرى الأليمة في كل سنة بتاريخ 31-8  يعيشون الآمال معصورة مع الآلام ولم يفقدوا بعد الأمل بإمام الأمل الموعود..