عقوبة الإعدام مازالت محل جدل بين الغاءها وسريانها فى دول العالم ....

وللبعض أراء فى موضوع عقوبة الاعدام، خلصوافيه الى انها "جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار"، تتضمن نزعة الانتقامبأسم العدالة..... ومع غرابة الطرح فلنرى ما يقولون ......
وقبل الخوض في مبررات تلك “الخلاصة”، يرى البعض ان عقوبة الاعدام تنم عن نزعة انتقامية لاانسانية وبدائية، اعتمدتها الشرائع القديمة كشريعة حمورابي انطلاقا من مبدأ "السن بالسن والعين بالعين..." بشكلها المطلق. اي ان العقوبة لم تكن شخصية، بل تنسحب الى افراد عائلة الفاعل.......
ومن اهم النظريات التي اطرت التشريعات الجنائية الحديثة التي استبعدت عقوبة الاعدام لانها تتسم بالوحشية والهمجية، ولانها لاتحقق الاهداف الرئيسية المرجوة منها في في تحقيق العدالة"الردع والاصلاح" التي تتطلبها المعايير الدولية الجنائية....
وقد اثيتت الوقائع العملية والتقارير الاحصائية للمنظمات الدولية الانسانية "كمنظمة العفو الدولية و منظمة مراقبة حقوق الانسانHuman Rights Watch" ومنظمة مراقبة حقوق الانسان .بان نسبة الجرائم في الدول التي تعتمد عقوبة الاعدام هي اعلى بكثير من تلكالدولة التي الغتها من تشريعاتها الجنائية.....
وقد بلغ عدد الدول التي الغت عقوبة الاعدام 128 دولة من مجموع 197دولة، الاتجاه في الغاء هذه العقوبة من قبل الدول الاخرى في تزايد مستمر...
ويعطي العراق مثالا واضحا، بان ازدياد وتيرة الاعدامات في محاكم صورية خاصة لا تضمن حق الدفاع للمتهمين المنتزعة اعترافاتهم عن طريق التعذيب الوحشي، ادى الى تأجيج الصراعات الدموية والعنف والقتل والتهجير....
و لايمكن تحقيق العدالة وهي اساس الامن الاجتماعي والسمت الموحد للمجتمع، ما لم نتعرف قبل اصدار العقوبة على الصفات الذاتية للفرد والظروف المحيطة به. وللبحث في هذا الموضوع (الصفات الذاتية والظروف المحيطة بالفرد) بشئ من التفصيل لانه موضوع جدير بالاهتمام لما له علاقة بتحقيق العدالة وحق الانسان في الحياة.

تأثير الصفات الذاتية والظروف المحيطة بالفرد:
يحمل الانسان صفات مادية ثابتة، من المستحيل ان تتشابه او تتطابق مع اي انسان اخر ولجميع الجنس البشري منذ بدأ الخليقة وحتى يوم القيامة، مثل، بصمات الاصابع، شبكية العين، الصوت و عرق الجسم...
بالاضافة الى ذلك، ان كل انسان يحمل صفات وراثية توارثها من اسلافه، من المستحيل ان تتطابق مع اي انسان اخر عبر جميع الاجيال السابقة واللاحقة.
فيحمل الانسان في كل خلية 23 زوج من الكروموسومات (الصبغات الوراثية)، احدهما من الاب والاخر من الام، اي ان مجموع الكروموسومات في الخلية الواحدة هو 46. وان كل خلية تحمل بحدود 100000 (مائة الف) من المورثات موزعة على 46 كروموسوم. علما ان جسم الانسان يتكون من مليارات الخلايا المتخصصة (كخلايا الدم، الجلد، الشعر...الخ).
هذه التشكيلة الهائلة من المورثات تعطي خصوصية متميزة لكل كائن بشري في جميع الصفات التي يحملها. ولا تقتصر هذه الصفات على الصفات المادية، كلون الشعر او البشرة او العين ...الخ، بل الصفات الاخرى التي تتأثر بالظروف المحيطة (الخارجية). واهم تلك الصفات "القوى العقلية والنفسية". وتحدد هذه القوى طبيعة سلوك الانسان بعد الولادة، وكغيرها من الصفات، فانها تتأثر بالعوامل الوراثية التي قد تسبب بعض الامراض العقلية كمرض اضطراب الشخصية، ويدعى المصاب بهذا المرض (سايكوباثي...)psychopath).
تتميز الشخصية السايكوباثية عادة بالذكاء والقابلية على المراوغة والاحتيال والكذب، وهي شخصية ذا نزعة عدوانية تميل الى الايذاء واحيانا القتل بدم بارد. وغالبا ما يستغل المصاب بهذا المرض قدراته المذكورة للانتماء السياسي لغرض الوصول الى السلطة بغية تطمين نزعاته ورغباته الشاذة. لذا نرى الكثير من السياسيين لديهم الصفات السايكوباثية وخاصة الذين منهم يتصارعون بشتى الاساليب للوصول الى السلطة. وان الاوضاع السياسية و سلوك الكثير من المسؤولين هو خير دليل على ذلك....
واذا لم يظهر مثل هذا المرض لدى الانسان، فانه قد يحمل استعدادات وراثية قد تؤثر على قدراته العقلية التي من شأنها التأثير على قابليته للاندماج بالمجتمع وتقبل العادات والتقاليد والقوانين السائدة فيه. كما يختلف درجة تأتير الظروف المحيطة بالانسان تبعا لتلك الاستعدادات الوراثية، كالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهذه الاستعدادات الموروثة تختلف من حيث الدرجة والقوة من شخص لاخر. فهناك من يمتلك القدرة على تجاوز السلبيات التي تفرزها الظروف المحيطة به، كالقمع الذي يمارسه النظام السياسي او التمييز الاقتصادي وعدم توفر فرص العمل والضمان الاجتماعي، بينما نجد اخرين لايمتلك مثل هذه القدرة، فيدفعه التعسف والظلم الى الانسياق وراء الجريمة.....
وهكذا يقتضي ان ننظرالى الانسان ككائن معقد التركيب للغاية، يتحدد نمط سلوكه داخل المجتمع تبعا لتأثير صفاته الذاتية وظروفه الخارجية. وان حرية ادراكه وارادته هي من اهم عناصر تحدديد المسؤولية الجنائية، وهي تعتمد على مدى تأثرها باستعداداته الذاتية المورثة ومدى تقبله للظروف المحيطة به، والتي تحدد نمط سلوكه داخل المجتمع، لذا فان جزء من مسؤوليته الجنائية تتحملها الدولة والمجتمع من خلال اعادة تأهيل واصلاح مثل هذا الشخص. ولابد من اعادة النظر في سياسة الدولة خصوصا المؤثرة منها على انحراف سلوك الفرد، لان ازهاق روح مثل هذا الانسان (اعدامه) عن ارتكابه جريمة مهما كانت جسامتها، دون الاكتراث بالعوامل المذكورة اعلاه، هو فعل قتل عمد مع سبق الاصرار تحت غطاء القانون.....

جريمة القتل العمد والاعدام
القتل العمد هي جريمة ازهاق روح انسان وحرمانه من حقه في الحياة التي ضمنتها له جميع القوانين (السماوية والوضعية)، ويكون الفعل جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار، اذا اقترن مع تصميم الفاعل على ارتكابها بعد تفكير وتخطيط بجو هادئ، مما يشكل عنصر الزمن اهمية بالغة في تحقق "سبق الاصرار.....".
وبما ان فعل الاعدام يحصل بقرار قضائي وفق نص قانوني شرع من قبل سلطة تشريعية مختصة (البرلمان)، وينفذ بمرسوم رئاسى صادر من السلطة التنفيذية، فانه قد استغرق وقتا للتخطيط والتفكير به وتنفيذه بكل هدوء من قبل جميع السلطات في الدولة، وبالتالي فانه بمثابة قتل عمد مع سبق الاصرار ولكنه تحت غطاء القانون والعدالة؟؟؟؟؟؟.
وهناك من يقول، ان فعل الاعدام هو عقوبة عن جناية خطيرة جرمها القانون الجنائي الوطني، وهذا القول مردود للاسباب التالية....:

1-ان قواعد القانون الدولي تحرم عقوبة الاعدام، وهي قواعد تسمو (لها العلوية) على قواعد القانون الوطني...
2- يلزم عدم تجاهل الصفات الذاتية والظروف الخارجية المحيطة بالفرد التي تكلمنا عنها، والمؤثرة على سلوك الانسان في المجتمع...

مسؤولية السلطات في الدولة...:
ترتكز الدولة على مؤسسات او سلطات رئيسة للنهوض بأعبائها وهي، السلطة التشريعية، السلطة القضائية والسلطة التنفيذية. فما هي مسؤولية هذه السلطات في فرض عقوبة (الاعدام)، وحرمان انسان من حقه الطبيعي في الحياة...؟؟؟؟؟؟؟.

ان مسؤولية الغاء عقوبة الاعدام او تعطيل العمل بها هي مسؤولية جميع سلطات الدولة، وبقاء هذه العقوبة ليس له علاقة بالردع والاصلاح ولا تحقق العدالة كما يشاع ، بل يدل على نزعة انتقامية التي من شأنها زيادة وتيرة الجريمة في المجتمع وهو ما تؤكده جميع تقارير المنظمات الانسانية......
ان سلطات الدولة التي تصر على ازهاق ارواح الناس بهذه الطريقة الوحشية، وبالرغم من الحقائق المبينه اعلاه والدراسات المكثفة من قبل المعاهد والمؤسسات ذات الاختصاص وتقارير المنظمات الانسانية الدولية، وبالضد من الشرائع السماوية و اغلب القوانين الجنائية الوضعية في العالم واحكام القانون الدولي الانساني وعلى وجه الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، فانها ترتكب جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار تحت غطاء قانوني باطل، وقد يضعها امام

المسئولية الجنائية ان عاجلا او اجلاً

هل تلك الاراء مقنعة فعلاً لألغاء عقوبة الإعدام أم أن المسالة لاتعدو إلا تعاطفاً مع الانسان بغض النظر عما يرتكبه من جرائم