تداعى بالأمس في الرابع عشر من شهر أيار الجاري أعضاء مجلس النواب اللبناني، لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، وذلك وِفقً مسرحية هزلية تُمثّل فصولها على خشبة البرلمان اللبناني، منذ حوالي ثمانية أشهر، وأبطالُها الميامين أعضاء المجلس النيابي برئاسة كبيرهم( الذي علّمهم السِّحر) الرئيس نبيه بري، وكانت حلقة الأمس هي الثانية عشرة، ولم تختلف كثيراً عن سابقاتها، سوى أنّ شرط انعقادها، الذي حدّدهُ الرئيس برّي، كان قد توفّر بوجود مُرشّحَين "جدّيَين"، الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، مع أنّ بعض الرموز الفولكلورية لم تغب تماماً عن مجريات الجلسة، واكتمل عقد المجلس بكامله، على خلاف العادة، واعتلى بري منصة الرئاسة، وفُتحت الجلسة، ووُزعت الأوراق على النواب، وقام كلّ واحدّ منهم بكتابة ما لا بُدّ منه، حسب تعليمات وإملاءات الزعماء القادة، وفُرزت الأصوات!

وكأنّ معجزةً ستظهر نتائجها بعد الفرز والتعداد، وتمخّض الجبل فولَدَ فأراً صغيراً، لا شأن له، ثمُ شوهد نواب المقاومة والممانعة وهم يلوذون بالفرار من قاعات المجلس، لمنع الدورة الثانية من الإنعقاد، لِتكتمل الصورة المقيتة للمسرحية الهابطة، لا رئيس جمهورية ولا من يحزنون، مع أنّهم دأبوا جميعاً، وطوال ثمانية أشهر يتباكون على المصاب الجلل الذي حلّ بالبلاد جرّاء الفراغ الرئاسي  فالبلد بلا رئيس جمهورية، ولا حكومة كاملة الأوصاف، والمجلس النيابي عاجز عن التشريع، قبل انتخاب رئيس جديد، الإدارة العامة في شللٍ تام، المواطنون يئنّون من وطأة الإنهيار الشامل والدمار الماحق، يصرخون ولا مُغيث، ومن بيدهم الحلُّ والرّبط، أي نواب الشعب أو الأمّة، سادرون في غيّهم، ساعون في ضلالهم، لاهثون وراء مصالحهم الحزبية والطائفية والشخصية، يصحُّ تشبيههم بالشعراء الذين ذكرهم الله تعالى بقوله في سورة الشعراء: والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم ترَ أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون، وأنّهم يقولون ما لا يفعلون.