كان اللواء الراحل غازي كنعان خلال ولايته على لبنان أواخر القرن الماضي، رجُلَ سوريا الأول، وكانت مرتبته الرسمية: رئيس جهاز الأمن والإستطلاع في القوات السورية، أمّا مهمتهُ الفعلية فكانت أقرب ما يكون إلى رتبة المندوب السامي للدولة المنتدبة على لبنان من قِبل المجتمع الدولي، وكان اللواء الراحل( والذي نحرَهُ فيما بعد النظام السوري، ونسبَ له فعل الإنتحار) يتمتّع بكفاءات سياسية عالية، بالإضافة إلى كفاءاته الأمنية والعسكرية المعهودة، كان رحمه الله، يُنجز بجولة سريعة على الرؤساء الثلاثة، ما يعجز عنه هؤلاء الرؤساء خلال أسابيع، لا بل خلال شهورٍ،  وربما سنوات، كان يختار رئيس الجمهورية ويعمل على انتخابه، يؤلف اللوائح الإنتخابية لمجلس النواب، ويُعيّن من يفوز، ومن يبوء بالخسران، يُسمّي رئيس الحكومة قبل تسميته من النواب، كانت له اليد الطولى في تأليف الحكومة، ويُسمّي عدداً من الوزراء، ويختار ممّن حالفهم الحظُ لتولّي وظائف الفئة الأولى في الإدارة العامة، بالإضافة إلى تعيين بعض السفراء والقناصل، وربما تمتد صلاحياته لحدود تعيين قائد جديد للجيش وسائر الأجهزة الأمنية، وفي حال الضرورة كان يتدخل في تعيين بعض رؤساء المجالس العامة والخاصة، فعرف اللبنانيون في عهده نوعاً من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وخاصةً بعد اتفاق الطائف وتولّي الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري مقاليد رئاسة الحكومة، ودام الوضع على حاله، حتى خلفهُ اللواء رستم غزالي، فاضطربت أحوال البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى انتهت باغتيال الرئيس الحريري عام ٢٠٠٥، وتلا ذلك خروج القوات السورية من لبنان في ذلك العام، بعد سحب التكليف الدولي بفرض الوصاية على لبنان لمدة ربع قرنٍ من الزمن.


كانت الوصاية السورية وصاية فعلية وكاملة، وصاية على قاصرين، وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً، هاهم قادة هذا البلد لم يبلغوا سنّ الرشد، والمواطن العاجز الصابر، الذي بات يتضوّر جوعاً وبرداً، ومهانةً وذُلّاً، من أين يأتي بغازي كنعان آخر، يستدعيهم إلى مقرّه في عنجر، فلا يطلع صباحٌ عليهم إلّا وقد انتخبوا رئيساً للجمهورية، بعد السلام والتحية  وقراءة الفاتحة على الاستقلال والسيادة، دون أن ننسى الكرامة والشعب العنيد