بعد خروج الرئيس السابق ميشال عون من قصر بعبدا في نهاية شهر تشرين الأول العام الماضي، وبعد الإرتباك الذي يُعانيه التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، جرّاء سياساته وسلوكياته، وبعد أن دأب باسيل على تعطيل انتظام عمل المؤسسات الدستورية، منذ أكثر من ست سنوات( سنوات عهد الرئيس السابق عون )، ها هو اليوم يقف حجر عثرة أمام اجتماعات مجلس الوزراء، بِحجّة الشغور الرئاسي، وهو ينضم اليوم إلى جوقة المنادين بتعطيل التشريع النيابي، بذات الحجّة المعهودة، وما يزال باسيل في طليعة المتعاونين مع الثنائية الشيعية في تعطيل انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، ما لم يكن هو الرئيس العتيد، أو من يُماشي هواه، والأغرب من كل ذلك أنّ معظم قيادات التيار الوطني الحر التي تشكو من تصرفات باسيل، والتي كانت مؤمنة بالجنرال عون وبتياره الإصلاحي والتغييري، ما زالت تصُبّ معظم اعتراضاتها على سياسات باسيل السلطوية التدميرية، وتبرئة الجنرال عون أو تحييده بالحد الأدنى، ولم يجرؤ أحدٌ منهم على الإعتراف بخيبة الحالة "العونية" من بدايتها إلى نهايتها القريبة، (ربما بإستثناء الناشط السياسي اللامع جوزف ابو فاضل)، ناهيك بأنّ أحداً لم يُفصح عن القول بأنّ عون لم يُقدّم من خلال مسيرته العسكرية والسياسية الطويلة نسبياً، أي رؤيا سياسية واضحة لهوية لبنان، وصيرورة نظامه ومصير كيانه، فالجنرال عون لم يقم سوى ببعض المغامرات العسكرية لا أفُق لها محدّداً، ولم تنتظم معظم تجاربه السياسية، قبل وصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى وبعدها، في عقيدة راسخة يمكن الدفاع عنها، لا بل حكمت معظم تجاربه تلك، التناقضات والغوغائية والإنتهازية وانعدام المصداقية، فهو لم يبتدع على سبيل المثال، ما خلّفه ميشال عفلق في عقيدة بعث "القومية العربية"، ولا عقيدة أنطون سعادة في "القومية الإجتماعية السورية"، أو فكر أميل إدّة وشارل قرم في فكرة "القومية الفينيقية"، أو فكر ميشال شيحا وألفرد نقاش في فكرة "اللبنانية التجارية"، أو تجربة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح في "اللبنانية العربية"، أو الرئيس فؤاد شهاب في تجربته السياسية والاجتماعية الإصلاحية، ولا تجربة الرئيس بشير الجميّل في "اللبنانية الخالصة".


لذا كان لا بد لمن يطمح للخروج من العباءة العونية البالية والبائسة من أن يصوغ فكراً سياسياً جديداً، يكون جديراً بالاحترام والقبول والصدقية، مع نقدٍ صريحٍ وجريئٍ للتجربة العونية برُمتها، والتي راهن عليها للأسف الشديد جمهورٌ مسيحيّيٌ عريض، أودت به إلى المهالك، قبل أن تدخل في طور الإحتضار الأخير.