يبذل اللبنانيون هذه الأيام جهوداً مُضنية للحصول على "العدالة" في قضية تفجير مرفأ بيروت "النووي" في الرابع من شهر آب عام ٢٠٢١، هذه الجريمة التي أودت بحياة أكثر من مائتي ضحية، وأوقعت بضعة آلاف من الجرحى والمعوقين، مع تشريد عشرات الآلاف من أهالي المدينة، وكان لا بدّ من إحالة القضية للمجلس العدلي، وللأسف الشديد جرى عزل القاضي فادي صوان بعد قيامه بواجبه على أكمل وجه، ثم جرى بعد ذلك تعيين القاضي العدلي طارق البيطار، الذي بدأ بملاحقة كبار المسؤولين، من مدنيين وعسكريين، وإذ به يُواجه بسيلٍ من طلبات الرّد وكفّ اليد، وهكذا وجد الأبرياء( أهالي الضحايا والمحقق العدلي) أنّهم أمام قوة سيطرة وتعسّف، وأمر واقع، أقوى منهم بما لا يُقاس، فهم في واقع الحال قوّة بريئة مُستضعفة، في حين يعتمل في صدور المتورطين والمُتضرّرين من تحقيق العدالة، الحقد والضغائن، وهم لن يتورّعوا عن استعمال كافة الأسلحة لتضييع الحقيقة والعدالة، بما فيها إعلان الحرب على المحقق البيطار، والقيام بإجراءات "غير قانونية" وتعسّفية، كما جرى بالأمس حيث أطلق مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، سراح جميع الموقوفين في القضية، دون أية مراعاة لموجبات التحقيق وحُسن سير العدالة، وهذا لم يكن ليحصل دون تدخّلٍ سافرٍ من سلطة المنظومة الفاسدة التي تحكم هذا البلد المنكوب، والتي كانت وراء مأساة تفجير المرفأ، ووراء عرقلة التحقيق وعزل القاضي صوان، وتهديد القاضي البيطار وتخريب ملف القضية، وهذا ما تسبّب بانقسامٍ عامودي في سلك القضاء، المفروض ان يبقى فوق الشبهات والتّدخلات والمساومات والتلفيقات، وكي لا يصبح الحديث عن العدل والظلم بلا معنى، ولا هدف واضح.


أخشى ما يخشاه اللبنانيون هذه الأيام الحالكة، أن تتمكن هذه الطبقة السياسية الفاسدة أن تتوصل، بعد جولاتٍ من المكر والخداع والتجاذبات والألاعيب، والصفقات المشبوهة، من إقناعهم بأنّ ما وقع في الرابع من شهر آب عام ٢٠٢١ في مرفأ بيروت، كان حادثاً لا نملك له دفعاً، أو كان كارثة مُفاجئة، أو ظاهرة طبيعية مُروّعة كزلزالٍ أو سيلٍ جارف، أو صخرة تدحرجت فسحقت البشر والحجر.