يبدو أنُ الجنُ كانت أكثر رشداً ودراية من الإنس، عندما قالوا: إنّا سمعنا قرآناً عجبا(الآية الأولى من سورة الجن)، ثم قالوا: وأنّا لا ندري أشرٌّ أُريدَ بمن في الأرض أم أراد بهم ربُّهم رشَدا ( الآية العاشرة من سورة الجن).

 


ونحن اللبنانيون لا ندري اليوم، أشرٌّ أراد بنا الأميركيون عبر الرسول هوكشتاين أم رشَدا، عندما بذلوا الغالي والرخيص في سبيل اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، كذلك لا ندري لماذا أوصى الإيرانيون على حين غرّة السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله بأن لا يكون فظّاً غليضاً مع العدو الإسرائيلي " الغاشم"، وبأن لا ضير ولا ضِرار من الإتفاق أو التفاهم أو "التّعاهُد" مع الإسرائيليّين الذين امّسخوا (من المسخ) من شياطين إلى ملائكة، وبعد هذا وذاك، لا ندري حقّاً ماذا يُضمر الإسرائيليون لنا بعد بسط يدهم على حقل"كاريش" النفطي، والذي كان محل نزاع مع لبنان، وهل حقّاً باتوا وادعين مُسالمين بخلاف طباعهم الوحشية منذ أن وطئت أقدامهم أرض فلسطين واغتصبوها  وشرّدوا أهلها، وأذاقوهم مّرُ العذاب والهوان، كما أنّنا لا ندري ماذا يُضمر لنا جارنا العزيز المُقاوم بشار الأسد، الذي يترجّاهُ ويستعطفُه مدير الأمن العام اللبناني لكي يسمح بعودة "المواطنين" السوريّين إلى موطنهم الأصلي سوريا، كما أنّنا لا ندري حتى الآن ما تُضمرُه لنا المملكة العربية السعودية الحريصة هذه الأيام على اتفاق الطائف  الذي يحاول الأوربيون( بوحيٍ من الولايات المتحدة الأمريكية) استبداله باتّفاقٍ آخر يكون أكثر فعالية ومرونة، ويتماشى مع عصر الترسيم البحري، ومُراعاةً لخاطر حزب الله ومُكافأةً له على انعطافته الأخيرة نحو السلم والأمان، تصديقاً لقوله تعالى: فإذا جنحوا للسِّلم فاجنحْ لها.

 

إذا كان الجنّ الذين "يُجنّنون" العالم أصابتهم الدهشة والحيرة، فما حالُ اللبنانيين اليوم يا تُرى، لعلّ حالهم حال الشاعر المصري الراحل صلاح عبدالصبور حيث قال:

هذا زمن الحقّ الضائع

لا يعرف فيه مقتولٌ مَن قاتلُهُ، ومتى قتلَه

ورؤوس الناس على جثث الحيوانات 

ورؤوس الحيوانات على جثث الناس

فتحسّسْ رأسك!

فتحسس رأسك!