إننا أمام مرحلة جديدة وذهنية شعبية جديدة لن ينفع معها أي خطاب إنتخابي وأي شعارات إنتخابية بعدما أثبتت التجربة منذ 2018 كذب كل الخطابات والشعارات، وقد اصبح اللبنانيون أمام خيارات جديدة وبدائل جديدة ورؤى جديدة بدأت ملامحها بالظهور تمهيدا لخوض الانتخابات النيابية بواقعية أكثر وشفافية أكبر.
 

عاد الرئيس سعد الحريري الى بيروت بعد طول غياب، والعودة هذه ستمهد على ما يبدو  للخروج النهائي من الحياة السياسية ولسقوط ما يسمى بالحريرية السياسية التي فشلت كغيرها من الأحزاب والزعامات في صياغة رؤية وطنية جامعة تتخطى الطوائف والمذاهب.

 

 

عاد الحريري أم لم يعد الامر بالنسبة الى الشعب اللبناني سيان، فلم يعد هو المنقذ ولم يعد هو الزعيم، ولا رهان عليه في اجتراح الحلول للأزمات المتراكمة، وسواء قرر المشاركة في الإنتخابات النيابية او العزوف عنها فسعد الحريري اليوم ليس هو سعد الحريري 2018 بالنظر إلى السيرة السياسية المتصدّعة وحجم  الإخفاقات ومستوى التراجع داخليا وخارجيا. 

 

 

لا أحد ينتظر الحريري للتسويات أو التحالفات القادمة وقد أصبح خارج التركيبة السياسية سواء بقرار ذاتي أم بقرار سعودي، ولكنّ أمراء المنظومة يسعون إلى استعادته تارة تحت عنوان التوازن الطائفي والميثاقية والحاجة إلى الزعامة السنية وهو ما يذهب إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله، وتارة أخرى تحت عنوان الحليف السني القوي الذي يمكن الرهان عليه لتركيب التحالفات القادمة، وهو ما يذهب إليه وليد جنبلاط وآخرين من بقايا 14 أذار، وقد بلغ الإفلاس السياسي إلى استجداء المملكة العربية السعودية للعفو عن الحريري  عبر وسطاء وكأن هؤلاء هم قدر لبنان الأوحد، في وقت يسعى اللبنانيون للتغيير المنشود بعد إمعان هذه المنظومة في الفساد حتى انهيار البلد كله.

 

 

 وبين الواقع والتمنيات لم يعد الحريري اليوم ما كانه منذ سنوات ولم تعد قوة المنظومة على حالها كما في العام 2018، وما حصل في 17 تشرين 2019 أسس لمرحلة جديدة والتركيبة التي كانت سائدة تغيرت، وفي الوقت نفسه يتطلع اللبنانيون إلى نهاية هذه الزعامات، وهذه المنظومة بكاملها، وما انتظار الحريري من قبل البعض في تيار المستقبل أو غيره إلا لحسم الخيارات والتحالفات الإنتخابية الشخصية ليس إلا.

 

 

لقد وعى اللبنانيون حجم الكارثة التي حلّت بوطنهم جراء الإرتهان لثقافة الزعامة السياسية ومع سقوط الزعامة السياسية والمذهبية للحريري لم يعد من الصعب أن يتوالى سقوط الزعامات التي عاثت فسادا وخرابا ونهبا بالبلد وأسقطت الدولة ومؤسساتها لمصالحها المذهبية والطائفية والحزبية، وكل الزعامات سواء الاسلامية والشيعية والسنية والدرزية والمسيحية.

 

 

وكما لم يعد سعد الحريري اليوم كما الحريري 2018 كذلك باقي الزعامات ونحن نشاهد حجم الإعتراض الشعبي الكبير في البيئة الشيعية على الثنائي الشيعي، وحجم الاعتراض لدى المكونات اللبنانية الأخرى، وهو ما يؤشر إلى وعي جديد لمقاربة الواقع وهو حتما سيؤثر في الانتخابات النيابية القادمة،  كما أن هذا الوعي سينمو ويكبر  أكثر فأكثر بسبب الفشل والإخفاقات المتتالية للزعامات والاحزاب في مقاربة قضايا الناس والحد من معاناتهم.

 

 

إننا أمام مرحلة جديدة وذهنية شعبية جديدة لن ينفع معها أي خطاب إنتخابي وأي شعارات إنتخابية بعدما أثبتت التجربة منذ 2018 كذب كل الخطابات والشعارات، وقد أصبح اللبنانيون أمام خيارات جديدة وبدائل جديدة ورؤى جديدة بدأت ملامحها بالظهور تمهيدا لخوض الانتخابات النيابية بواقعية أكثر وشفافية أكبر.