رسمت علامات استفهام كثيرة حول مبادرة بعض القضاة الى تقديم استقالاتهم، وتخوّفت مصادر قانونية مما سمّتها حملة لتهشيم السلطة القضائية وضرب استقلاليتها ومعنوياتها وكسر هيبتها ومصداقيتها في مقاربة اي من القضايا والملفات الحساسة.


 

وأعربت المصادر لـ"الجمهورية" عن خشيتها من ان تكون خلف هذه الاستقالات اصابع سياسية، وقالت إن القضاء بصورة عامة يمرّ في في هذه الفترة في أسوأ مراحله على كلّ المستويات، خصوصاً في ظلّ المداخلات السياسية وغير السياسية التي تتعرض لها السلطة القضائية من جوانب مختلفة، والضغوط التي تمارس على بعض القضاة للتأثير عليهم وترهيبهم في محاولات مكشوفة لحرف التحقيق في الاتجاه الذي يخدم مصلحة هذا الفريق السياسي او ذاك»، مشيرة في هذا السياق الى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، «وما يحيط به من التباسات تؤثر في مجرى التحقيق العدلي».

 

وخلصت المصادر القانونية الى التحذير من «ان القضاء الذي يشكّل الركيزة الأساسيّة في لبنان يحدق به خطر حقيقي»، كاشفة «ان الجسم القضائي في حال تململ جدي مما آل اليه هذا الوضع، وهو امر قد لا يطول معه الوقت ليؤدي الى صرخة قضائية عالية امام الاستهداف المتمادي للسلطة القضائية».

 

ودعت المصادر السياسيين الى ان يَعوا هذا الواقع، والتأكيد فعلاً لا قولاً بأنّ حصانة القضاء فوق كل اعتبار، فإذا كان القضاء محصناً، فهذا يعني ان لبنان محصن والعكس صحيح، وهذا يوجب على السياسيين رفع ايديهم عن القضاء وابعاده عن التجاذبات السياسية، والكفّ عن المداخلات وافتعال العراقيل، ومحاولة تسييس الملفات والتشكيك بكفاءة القضاة ونزاهتهم».


 

وفيما افيد بأنّ استقالة القاضية جانيت حنا لها علاقة بملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت والتدخلات السياسية في هذا الملف، وانّ استقالتي القاضيتين كارلا قسيس ورلى الحسيني تعودان الى أسباب خاصة، استنكر «نادي قضاة لبنان» في بيان «التعرض لخيرة القضاة وإطلاق التهم بحقهم جزافاً سواء في الشارع أو مباشرةً»، معتبرا انّ هذا التعرض «أصبح موضة رائجة تمسّ بهيبة القضاء وبشخص كل قاض على حدّ سواء، ففي الأمس القاضي جناح عبيد، واليوم القاضي فؤاد مراد، ومن يعلم ضحية الغد من تكون؟».

 

واشار الى «أن نادي قضاة لبنان لطالما ناصر قضايا المواطنين المحقّة ورفع الصوت ضد الظلم في غير موضع، وانطلاقاً من قناعاته هذه، اكد انه لا يمكنه أن يرضى بأن يطاول الظلم القاضيين المذكورين المشهود لهما باستقامتهما ومناقبيتهما، فالتاريخ المشرّف لا تلوّثه افتراءات عبثية».

 

ولفت في هذا السياق ما تخوّف منه «ائتلاف استقلال القضاء» ان تكون هذه الاستقالات باكورة لاستقالات جماعية أخرى تنتهي إلى «تطهير» القضاء من أفضل نسائه ورجاله».

 

واشار الائتلاف الى ان هذه الاستقالات هي بمثابة إنذار بليغ على ما قد يتسبب به الانهيار المالي والاقتصادي من انهيار داخل المرفق القضائي، وايضا بمثابة إنذار موجّه إلى القوى السياسية الحاكمة، من خطورة استمرار الحملات المُمنهجة ضد كل قاض يتجرأ على نظام الحصانات والإفلات من العقاب، والتي تجلّت في أوضح صورها بمناسبة قضية تفجير المرفأ».

ad
 

وحذر الائتلاف «من مغبّة استمرار الحملات الممنهجة والهادفة إلى ثني القضاة عن القيام بوظائفهم وصولا إلى حماية نظام الإفلات من العقاب. فبمعزل عن المكاسب السياسية التي قد يحققها آنياً مطلقو هذه الحملات، فإن الأفق الوحيد لها هو تدمير المؤسسات والمزيد من العصبية واللادولة».

 

وندّد «باستمرار القوى الحاكمة في سياسة الإنكار، متجاهلة الانهيار المالي والاقتصادي وتداعياته فضلاً عن الحاجة الملحة لتدابير طارئة لضمان استمرارية المرافق العامة الأساسية، وفي مقدمها المرفق العام القضائي».