وقف لبنان أمس لساعات على حافة الحرب الأهلية، وكان قريباً جداً من الإنزلاق اليها مجدداً، لو لم يتمّ سحب فتيل الفتنة من الشارع قبل فوات الأوان، فيما يُرجح في المقابل ان يشتد الحريق السياسي- الطائفي في المرحلة المقبلة.
 

للمفارقة، يصرّ التاريخ على ان يعيد نفسه حرفياً في لبنان، إذ انّ منطقة عين الرمانة - الشياح التي انطلقت منها شرارة الحرب قبل أكثر من 45 عاماً، كادت تكون هي نفسها مرة أخرى منصّة الافتتاح لعروض جديدة من الاقتتال الداخلي، وكأنّ من يجب أن يتعلّم الدروس لم يفقه منها شيئاً بعد!


 

وبينما كانت التظاهرة التي دعا اليها كل من حركة «امل» و»حزب الله»، ترمي الى الاعتراض على سلوك القاضي طارق البيطار في ملف جريمة انفجار المرفأ، إذا بجريمة أخرى تُرتكب، وكادت تؤدي إلى انفجار شامل من شأنه لو وقع ان يحوّل البلد كله مرفأ كبيراً.

 

والمستغرب ألاّ ينجح الأمن الاستباقي ولا الأمن السياسي في استشراف المخاطر واحتوائها في التوقيت المناسب، على الرغم من انّ مؤشرات عدة كانت توحي بأنّ يوم الخميس لن يمرّ على خير، وبأنّ موعداً مع الفتنة ضُرب في هذا اليوم.

 

الّا انّ اوساطاً مطلعة تلفت في المقابل، الى انّ طبيعة ما حصل شكّلت مفاجأة، كونه لم يكن متوقعاً حدوث مثل هذا السيناريو الدراماتيكي الذي وصل الى حدّ إطلاق النار على مدنيين بقصد القتل العمد. ذلك انّ تقديرات الأجهزة الأمنية كانت ترجح في أسوأ الاحتمالات وقوع إشكالات فردية او تضارب بين بعض المتظاهرين والمعارضين لهم أمام قصر العدل، وهذا ما كانت الأجهزة تتحسب له وتستعد للتعامل معه ميدانياً.

 

ولكن، كيف سيتصرف الثنائي الشيعي بعد «كمين الطيونة»، خصوصاً انّ معظم ضحاياه هم من مناصري الحزب والحركة؟


 

واجهت قيادتا التنظيمين اختباراً صعباً ومرّاً امس، مع تلاحق سقوط الضحايا، الأمر الذي تسبب في غليان واسع على الأرض وسط غضب شديد في صفوف قواعدهما.

 

وإزاء هذا الواقع، شعرت القيادتان بأنّهما تواجهان موقفاً حساساً، إذ لا تستطيعان التساهل إزاء ما تعرّض له المتجمعون على الأرض، خصوصاً انّ التظاهرة تقرّرت بدعوة منهما، وهما أيضاً لا تريدان بأي شكل الإنزلاق الى حرب أهلية تعرفان انّ أعداءهما يحاولان باستمرار استدراجهما اليها لاستنزافهما في آتونها.


 

وما زاد من دقة الموقف، هو ان حادثة الطيونة أتت بعد فترة قصيرة على «كمين خلدة»، الذي أدّى بدوره الى سقوط ضحايا في صفوف مناصري الحزب، ولكن كان القرار في حينها بتفادي المواجهة الكبيرة والإتكال على الجيش لاعتقال المرتكبين.

 

ومع انّ الدعوة المتكرّرة إلى الصبر أصبحت لا ترضي الغاضبين، الّا انّ الحزب والحركة قرّرا هذه المرة أيضاً ضبط الانفعالات ولجم التصعيد على قاعدة تولّي الجيش والقوى الأمنية مهمة ملاحقة جميع مطلقي النار والمحرّضين وتوقيفهم، علماً انّه كان لافتاً انّ البيان الثاني الذي صدر عن التنظيمين سمّى «القوات اللبنانية» بالإسم، وحمّل مجموعاتها المسلحة مسؤولية إطلاق النار.


 

ويؤكّد احد القياديين في الحزب، انّه لولا حكمة ووعي قيادتي «الثنائي» وجمهورهما، لأمكن القول إنّ سقوط البلد والشّعب ‏في الحرب الأهلية قد أصبح أمراً واقعاً بدءاً من البارحة.‏

 

‏ويعتبر الحزب، تبعاً للمطلعين، انّ ما حصل امس يأتي في سياق ممنهج ومدروس، لاستدراجه الى نزاعات دموية في مستنقع الفوضى، وتصويره عبئاً ثقيلاً على البلد واللبنانيين، وهو مقتنع بأنّ «جريمة الطيونة هي امتداد في استهدافاتها ومراميها لـ»كمين خلدة» وقبله حادثة شويا».

 

ويتهم الحزب رئيس «القوات» بأنّه اراد عبر «كمين الطيونة» ان يظهر كرأس حربة في مواجهة «حزب الله» دفاعاً عن المسيحيين وعن القاضي طارق البيطار، «مفترضا انّ ذلك يعزز رصيده لدى حلفائه الاقليميين والدوليين، ويقوي موقعه في الانتخابات النيابية المقبلة على حساب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل».

 

ويرى الحزب، انّ على عون وباسيل ان يحسما تموضعهما في هذه اللحظة المفصلية، وان يدركا أنّهما لا يستطيعان مجاراة جعجع في حساباته وتطرفه.

 


وماذا عن تداعيات الخميس الأسود؟

 

يؤكّد القريبون من الحزب، انّ فرصة التوصل الى تسوية للأزمة مع القاضي البيطار سقطت عقب أحداث البارحة، وبالتالي «ليس مقبولاً بعد الآن أقل من إقصائه وإزاحته عن التحقيق».