من هو اللبناني العاقل أو المجنون الذي بوسعه أن يُصدّق اليوم أنّ ألغاز وتعقيدات تأليف حكومة جديدة في لبنان، والمُستعصية منذ أكثر من عام، تتجمع وتتشابك لتنتهي عند سياسي طفولي طارئ على الحياة السياسية اللبنانية، صهر الرئيس عون الوزير جبران باسيل، وهل هذا "المعتوه" سياسيّاً، و"الفاسد" أخلاقيّاً، و"السّاقط" وطنيّاً، يمتلك من أسباب القوة والجبروت ما يُمكّنهُ منع تأليف حكومة جديدة باتت خشبة الخلاص الوحيدة أمام وطنٍ يحتضر، فهل جبران باسيل اليوم قويٌّ إلى هذه الحدود؟! أقوى من الرئيس بشارة الخوري عندما تنحّى عن كرسي الرئاسة في بداية ولايته الثانية عام ١٩٥٣، أم هو أقوى من الرئيس كميل شمعون أيام عزّه عام ١٩٥٨، عندما سمح بانتقالٍ سلسٍ للسلطة ووضعها بين يدي اللواء فؤاد شهاب، وهل باسيل اليوم أقوى وأصلب من الرئيس فؤاد شهاب عام ١٩٦٤، عندما رفض كل دعوات مُطالبته بتجديد ولايته الرئاسية؟ لا بل هل باسيل اليوم أقوى وأصلب من الرئيس بشير الجميل الذي فتح ذراعيه للشريك "المُسلم" عام ١٩٨٢، وكانت الحرب الأهلية في أوج احتدامها، الجواب على هذه التساؤلات بالطبع لا، وألف لا، فباسيل اليوم لا يمكنه أن يصل إلى كعب واحدٍ من هؤلاء العمالقة الذين ذكرناهم، فهو لا يستمد قوته إلاّ من الحزب "القوي" فعلاً في البلد، لا القوي زوراً وادّعاءً كرئيس الجمهورية.

 

 

اقرأ أيضا : جوزف أبو فاضل..عون وصهره لن يؤلّفا حكومة بدون ثلث مُعطّل.

 

 


حزب الله لم يكن في حساباته تأليف حكومة جديدة طوال العام الماضي، لأسبابٍ سياسية تتعلق بالصراع الأميركي-الإيراني، وهو لو أراد تأليف الحكومة الجديدة لأمرَ بتأليفها بين ليلةٍ وضحاها، ولوقف جبران باسيل صاغراً ذليلاً أمام جبروته، لذا، أيها اللبنانيون الشرفاء المقهورين، إذا ما شُكّلت حكومة جديدة اليوم، أو غداً أو بعد غد، فهذا يعني أنّ حزب السلاح "الشرعي" سمح بذلك، وفقاً لمُعطيات إقليمية ودولية، لا يمكن تفسيرها إلاّ وفق المصالح الإيرانية، وليس بناءً على تنازلات متبادلة بين الرئيسين عون وميقاتي، أو بناءً على تسهيلاتٍ من باسيل، أو بفضل جهود الوسطاء الخيّرين، فهذه ليست أكثر من تمويهات وخزعبلات، ومزيدٍ من استغباء هذا الشعب اللبناني الصابر المحتسب.


ذكرَ أعرابيٌ قوماً فقال: أقلّ الناس ذنوباً إلى أعدائهم، وأكثرهم تجرّماً على أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.