في انتظار الصورة التي سينضح بها مؤتمر الرابع من آب، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غداً، دعماً للبنان وما يميّزه من حضور أميركي وخليجي إضافي، يمكن قياس حجم قوة الدفع الدولية للمبادرة الفرنسية، والتي ستنسحب على برامج العقوبات الأوروبية التي ستتلاقى ومزيد مما هو متوقع صدوره من واشنطن. فهل يستوعب المسؤولون خطورة ما ينزلقون اليه؟ وكيف يمكن الإفادة من الغيرة الدولية على بلدهم؟

اياً كانت النتائج التي انتهى إليها اللقاء الرابع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي من أجل استكمال البحث في عملية تشكيل الحكومة، فإنّ الأنظار ستتجّه تلقائياً الى المؤتمر الإفتراضي الذي دعا إليه ماكرون غداً دعماً للبنان وتأميناً لكلفة «الخدمات العامة» التي افتقدها الشعب اللبناني، كما قال عند أول اشارة الى التحضيرات الجارية للمؤتمر، والذي كان مقرّراً نهاية الشهر الماضي بنسخته الأولى، قبل ان ينقله إلى الرابع من آب الجاري، بقرار لم يكن خالياً من الرسائل المدوية التي أراد ان يطلقها لمجرد تزامنه والذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت، وما يعنيه هذا التاريخ بالنسبة إليه شخصياً، بعدما دفعه ذلك اليوم المشؤوم الى الغاء برامجه وزيارة بيروت بعد يومين من الانفجار.


 

وغداة اللقاء الرابع الخاص بتأليف الحكومة، وعشية المؤتمر الذي ينتظره اللبنانيون، تتوسع السيناريوهات التي تحاكي الحدثين وما بينهما من ترابط لا يمكن الفصل فيه بسهولة. فالمواقف الأخيرة، ولا سيما منها الأوروبية كما الأميركية، ربطت بين العقوبات المتوقعة من أكثر من مصدر دولي، ومنها مجموعة دول الإتحاد الأوروبي التي أُقرّت في نهاية مؤتمر لوزراء خارجيتها، بالإجماع مساء الخميس الماضي ما سمّته «الإطار القانوني لفرضها» والتي تعهّدت مجموعة الدول بالتزامها، وتلك التي تستعد لإستئنافها الإدارة الأميركية بدفعة جديدة في موعد لا يمكن التكهن بقربه او بعده، بعدما تمّ الربط بينها وبين العقوبات الأوروبية، في اتجاه يقود الى محاولة للتكامل في ما بينها.

 

وفي اشارة واضحة الى هذه المعادلة الجديدة، لا بدّ من التوقف عند بعض ما يؤدي الى الكشف عن الاستراتيجيتين الفرنسية والأميركية اللتين تقودان التحرك الدولي في الإتجاه المعلن عنه، ومظاهر التعاون بينهما، وهو ما يمكن ترجمته بالآتي من الملاحظات على مستوى الدولتين:

 

فعلى المستوى الفرنسي، لا يمكن تجاهل الانتصار الذي حققته الديبلوماسية الفرنسية بتوفير الإجماع الاوروبي على العقوبات بعد طول عناء امتد لأشهر تلت اعلان ماكرون عن مبادرته الخاصة بلبنان في 2 أيلول من العام الماضي، وبداية تراجع اللبنانيين عن التزاماتهم. وهو ما تُرجم بوصول دول الإتحاد الى «اتفاق الإطار» في اتجاه فرض العقوبات على من سمّاهم البيان الختامي للمؤتمر «القادة اللبنانيين المسؤولين عن التعطيل السياسي في البلاد»، وذلك في مسعى لـ «تسريع تشكيل حكومة لبنانية جديدة، ووضع إصلاحات بنيوية وتنفيذها لإخراج البلد من أزمته». كما نجح الفرنسيون في فرض الصيغة التي سعت اليها والتي كرّسها «الإطار القانوني» الذي قال بـ «إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات» المسؤولة عن «التعرّض للديموقراطية أو لسيادة القانون في لبنان»، وفق آلية قالت انّ «يتعيّن أن تحظى لائحة الأشخاص والكيانات الذين تشملهم العقوبات، بموافقة أعضاء الاتحاد الـ 27 بالإجماع»، وسط توقعات أن يتمّ ذلك في اجتماع وزراء الخارجية الذي تقرّر عقده في 21 أيلول المقبل.

 

 

أما على المستوى الأميركي، فقد سارعت الإدارة الاميركية الى ملاقاة قرار الإتحاد بخطوات مماثلة، عندما أُعلن في اليوم التالي من واشنطن عن سلسلة خطوات لزيادة الضغوط على المسؤولين اللبنانيين، ولو بلغة مغايرة، ولكنها تلتقي على النتائج عينها. فالحديث عن دفعة جديدة من العقوبات الاميركية تلا ترحيباً من واشنطن بما سمّته «تبنّي الاتحاد الأوروبي نظام العقوبات الجديد لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان». وهو ما اشار اليه بيان مشترك، من النادر ان يصدر عن وزيرين يجمعان المهمات والصفات الديبلوماسية والعقوبات المالية، هما وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين.

 

وقال البيان الوزاري الاميركي المشترك، إنّ العقوبات التي تراها واشنطن ناجحة هي التي تهدف من بين أمور أخرى، إلى «فرض تغييرات في السلوك وتعزيز مساءلة المسؤولين اللبنانيين والقادة الفاسدين الذين شاركوا في سلوك خبيث». كذلك رحّب باستخدام الاتحاد الأوروبي «هذه الأداة القوية لتعزيز المساءلة على نطاق عالمي». قبل ان يؤكّدا انّ بلادهما «تتطلع للتعاون مع الاتحاد في المستقبل ضمن جهودهما المشتركة».

 

ولا يتجاهل المراقبون أهمية ان تتوحّد القراءتان الفرنسية والأميركية في توصيفهما لمعاناة اللبنانيين، فأكّد البيان الأميركي أنّه «مع تزايد أعداد اللبنانيين الذين يعانون بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، من الأهمية بمكان أن يستجيب القادة اللبنانيون لدعوات شعبهم المتكرّرة، لوضع حدّ للفساد المستشري وتقاعس الحكومة عن العمل، وتشكيل حكومة قادرة على الشروع في الإصلاحات الحاسمة لمعالجة الوضع المتردّي في البلاد». وجاء هذا التأكيد متلازماً مع إشارة اميركية الى أزمة القطاع المصرفي والمالي، طالباً «اعتماد تشريعات شفافة وغير تمييزية في شأن تحويل الأموال» إلى الخارج، في إشارة الى فهمهم العميق لعدم اصدار قانون «الكابيتال كونترول» بسبب تورط مسؤولين من مختلف القطاعات السياسية والمالية اللبنانية في نقل أموالهم الى الخارج، ما عجّل من تفاقم الأزمة المالية وفقدان العملة الورقية الأجنبية من السوق اللبناني.


 

وبالإضافة إلى هذا التلاقي في النظرتين الاميركية والفرنسية حول الوضع في لبنان، يجدر التوقف عند ربط كل هذه الخطوات بمساعي تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة. وهو ما شدّدت عليه المتحدثة بإسم الخارجية الفرنسية أنياس فون درمول، التي كشفت أنّ بلادها «مستعدة لزيادة الضغط مع شركائها الأوروبيين والدوليين على المسؤولين السياسيين اللبنانيين لتسريع تشكيل الحكومة». لافتة الى انّ الحكومة المطلوبة يجب ان «تعمل بأقصى طاقتها لإطلاق الإصلاحات التي يتطلبها الوضع، والتي تشكّل شرطاً لأي مساعدة بنيوية وفقاً للاولوية المطلوبة». مع الإشارة الدائمة الى ضرورة «تلبية حاجات اللبنانيين الذين يتدهور وضعهم كل يوم، في إطار مساعدات إنسانية يقدّمها المجتمع الدولي مباشرة إلى اللبنانيين، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية».

 

وبناءً على ما تقدّم، لا يمكن الفصل في هذه الساعات التي فصلت بين اجتماع الأمس في بعبدا و»مؤتمر 4 آب» غداً، وما سيرافقه من تحرك على مستوى الوطن، وما يمكن ان تقود اليه مساعي تأليف الحكومة، وسط اعتقاد يسود أوساط «المعرقلين» على خلفية انّهم لا «يهابون العقوبات»، وانّ بعضهم بات يرغب في ان يضيف سطوراً الى «سيرته الذاتية» عمّا تعرّض له من عقوبات ترفع من شأنه امام قادة محور الممانعة. وفي حال سقوط هذه النظرية، على اللبنانيين ان يتوقعوا خطوات ايجابية تقود الى تجاوز بعض العِقَد الشخصية حول هذه الحقيبة او تلك، سعياً الى تشكيل «حكومة مهمّة» تحاكي المبادرة الفرنسية، وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق.