لو صدّقنا، ونحن ميّالون إلى ذلك، أنّ باستطاعة الرئيسين عون والحريري أن يؤلّفا حكومة "مُهمّة" إنقاذية، وهي باتت أكثر من ضرورية ومُلحّة في الواقع اللبناني المُنهار على كافة الصُّعُد، إلاّ أنّ هذا الأمر لم يحصل منذ أكثر من أربعة أشهر، حيث يُهدرُ الوقت الثمين، والذي بات يُحسبُ بالسّاعات، بعد أن كان يُحسبُ بالأيام والشهور، فالبلد انهارت عملتهُ الوطنية بما لا يُقاس، والفقرُ والعوَز ينتشر انتشار النار في الهشيم، حتى بات "اللبناني" الذي كان يُفاخر بمستوى معيشته الراقية "يتناتش" علبة حليب لطفله مع "أخيه" المواطن، والمتاجرُ الفاخرة التي كانت تصرف الغالي والرخيص على حملات الإعلان لاجتذاب الزبائن، صارت تُخفي البضائع "المدعومة" في أقبيتها، وتشترط على الزبائن ما يجب أن يشترونهُ وما لا يجب، حتى يفوزوا باستلام سلعة تموينية مدعومة، ورغم هذه "اللوحات السوريالية" التي يرسمها اللبنانيون يوميّاً بالذّل والهوان، ورغم إقفال الطرقات الرئيسية والفرعية، والتّجمهُر رغم مخاطر وباء الكورونا الخطير، فإنّ السّيدَين الرئيسين عون والحريري ما زالا يختلفان على ما في طبق "الطّبخة الحكومية"، وخير مثالٍ لهما ما رواه الجاحظ في كتابه "البخلاء" عن رجلين من خراسان ( المشهورة ببخل أهلها)، فقال أحدهما لصاحبه، وكانا إمّا مُتزاملين، وإمّا مُترافقين: لمَ لا نتطاعم؟ فإنّ يد الله مع الجماعة، وفي الإجتماع بركَة، وما زالوا يقولون" طعامُ الإثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة، فقال له صاحبه: لولا أعلمُ أنّك آكلُ منّي، لأدخلتُ لك هذا الكلام في باب النصيحة. فلمّا كان الغدُ، وأعاد عليه القول، فقال له: يا عبد الله معك رغيفٌ ومعي رغيفٌ، ولولا أنّك تريد الشّر ما كان حرصُكَ على مؤاكلتي،  تريد الحديث والمؤانسة؟ إجعل الطبق واحداً، ويكون رغيف كلٍّ منّا قدّام صاحبه، وما أشكُّ أنّك إذا أكلتَ رغيفك ونصفَ رغيفي، ستجدُهُ مُباركاً، إنّما كان ينبغي أن أكون أجدُهُ أنا لا أنتَ.


وما زال الرئيسان يتعاندان ولا يتطاعمان، والشعب جائع.