قرّر مصرف لبنان زيادة نسبة الدعم الذي يموّله لاستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية من 85 الى 100 %، بهدف خفض فاتورة الاستشفاء والدواء على المواطن، لكنه من خلال تلك الخطوة زاد من الاستنزاف الحاصل لاحتياطه من العملات الاجنبية وقلّص فترة الدعم الممكن أن يتحمّلها، إلا إذا كان ينوي رفع الدعم عن واردات أخرى كالمحروقات او السلع الغذائية المدعومة.

 

بعدما كان مصرف لبنان يتولّى دعم قيمة واردات الأدوية والمستلزمات الطبية بنسبة 85 في المئة وفقاً لتعميمه السابق الرقم 530 الذي طلب فيه إيداع نسبة 15 في المئة من قيمة الاعتماد المُستندي المطلوب بالدولار الاميركي، فإنه أصبح يدعم اليوم 100 في المئة من قيمة تلك الواردات حيث أصدرت جمعية المصارف أمس تعميماً يحمل الرقم 2020/229 أعلنت فيه أنه "بالاتفاق مع مصرف لبنان، وفي ما خصّ الاعتمادات المستندية لصالح مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية، نرجو من المصارف عدم الطلب الى أصحاب العلاقة توفير نسبة الـ15 % نقداً بالعملات الأجنبية، بل قَيد المبلغ على حساب العميل بالعملات لديكم إن وُجد، أو قبول تحويله من مصرف آخر إلى مصرفكم، أو أن يوفّره العميل بواسطة شيك بالعملات يضعه في الحساب لديكم".

 

وبما أنّ ودائع المستوردين في المصارف محتجزة مثلها مثل غيرهم من المودعين، وهي أصلاً دفترية وغير قابلة للاستخدام والتحويل الى الخارج، فإنّ كلفة الدعم التي سيتكبدها مصرف لبنان ممّا تبقّى من احتياطه من العملات الاجنبية سترتفع فعلياً بنسبة 15 في المئة، علماً انّ البنك المركزي سبق وأعلن انه يحاول تمديد الدعم لأطول فترة ممكنة عبر ترشيده، وهو يبحث حالياً في هذا الاطار رفع الدعم عن المحروقات. فكيف يتم اتخاذ هذا الاجراء وتحرير جزء من ودائع المستوردين على حساب باقي المودعين؟ ولماذا يزيد مصرف لبنان من استنزاف احتياطه بالدولار؟

 

في هذا السياق، أوضحت رئيسة نقابة مستوردي المُستلزمات الطبية سلمى عاصي انّ مصرف لبنان كان يُلزم المستوردين تأمين نسبة 15 % من فاتورة الاستيراد بالدولار نقداً على ان يتم دعم النسبة المتبقية على سعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة للدولار، ممّا اضطرّ المستوردين الى تأمين الدولارات المطلوبة من الصرّافين، وتحميل كلفة سعر الصرف المرتفع الى المستشفيات والصيدليات والجهات الضامنة التي بدورها حَمّلتها للمرضى والمواطنين.

 

وأشارت عاصي لـ"الجمهورية" الى انّ اجتماع المعنيّين بالقطاع الصحي في وزارة الدفاع الاسبوع الماضي تطرّق الى هذا الموضوع، وأبلغ مصرف لبنان انّ المواطن والمريض هما اللذان يتحمّلان عبء نسبة الـ15 % التي يتوجّب على المستودرين تأمينها نقداً بالدولار، وطلب منه استيفاء تلك النسبة من خلال الشيكات أو الدولارات العالقة في المصارف، أي «اللولار»، مُعلنةً ان ّالاجراء الذي اتّخذ أمس من قبل مصرف لبنان وجمعية المصارف سيَصبّ في مصلحة المواطن، وسيخفّف عنه فاتورة الاستشفاء من ناحية الخَفض الذي سيحصل في قيمة الفروقات الاضافية التي كان يدفعها المرضى في المستشفيات، والتي كان يتم احتسابها على سعر الصرف في السوق السوداء في حين سيتم احتسابها حالياً على سعر صرف 3900 ليرة، المُحدد من قبل المصارف لسحب اللولار.

 

امّا بالنسبة لأزمة المستشفيات والمستوردين المتعلّقة بإلزامية تسديد قيمة الفواتير بالليرة نقداً، أكدت عاصي انها ما زالت على حالها، ولم يتم بعد تحديد آلية لتسديد المستشفيات قيمة فواتيرها للمستوردين عبر المصارف او الشيكات بالليرة.

 

في المقابل، إنّ قرار جمعية المصارف ومصرف لبنان الجديد سيُولّد، بالاضافة الى التداعيات الايجابية على المواطنين والمرضى، تداعيات سلبية على احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية، وسيزيد من كلفة الدعم التي يتحمّلها البنك المركزي. واذا كانت التوقعات تشير الى إمكانية البنك المركزي مواصلة الدعم لغاية أواخر الفصل الاول من العام المقبل، فإنّ الاجراء الجديد سيقلّص من دون شك فترة الدعم، إلّا اذا ما كان سيقابله رفع للدعم عن سلَع أخرى، كالمحروقات او المواد الغذائية. ولكن المؤكد هو انّ النسبة الضئيلة المتبقية والحقيقية من دولارات المودعين يتمّ تسخيرها مجدداً لدعم شريحة معيّنة، بغضّ النظر إذا كان هذا الدعم يصبّ في مصلحة المواطن أم لا...