دمغَ الانفجار الضخم الذي زلزلَ بيروت في 4 آب 2020 تاريخ لبنان المعاصر ببصمة سوداء أنهى بها مئويته الاولى، فحجم الاضرار التي خلّفها مادياً ومعنوياً وانعكاسه عالمياً أفقَد لبنان، وليس عاصمته فقط، كثيراً من بريقه... وبحسب البعض فإنّ العوامل السلبية فاقت فداحة الأضرار التي سببتها الغارات الاسرائيلية على لبنان، أمّا الأشد إيلاماً اذا ما أثبتت وقائع التحقيقات أنّ المسبّب أو السبب، هو إهمال السلطة وفساد النظام القائم وليس العدو، ويكون الذي انفجر في 4 آب ليس سوى الفساد بعينه عندما ضاقت به المساحات والمطارح فلم يعد يتّسع حتى الى الاختباء، فانفجر قاذفاً بالمسؤولين عنه الى حد «المقصلة».
 

أثناء التحقيق لا تُستبعد اي فرضية، فالفرضيات كلها محتملة، من فعلٍ قصدي او غير مقصود، وإنّ المعطيات وحدها هي التي تستبعد فرضيات او تؤكد اخرى وتقدّم فرضية على أخرى.

 

بالنسبة الى الفرضية التي تقول انّ التفجير كان مقصوداً، علمت «الجمهورية» أنّ النيابة العامة التمييزية أمرت بالتحقيق في احتمال قيام الطيران الاسرائيلي بهجوم من الاجواء اللبنانية على موقع الانفجار، وهل كان هذا الطيران يحلّق في أجواء بيروت ساعة الانفجار، وذلك باعتماد ما رَصده الطيران المدني في مطار بيروت والطيران العسكري للجيش اللبناني، فتبيّن انه لم يكن هناك طيران اسرائيلي لحظة الانفجار في بيروت، بل كان هناك طيران إسرائيلي في الجنوب. لذلك طالبت النيابة العامة التمييزية إجراء دراسة محليّة لمعرفة ما اذا كانت الصواريخ الاسرائيلية، في حال أُطلقت من الجنوب، تصل الى بيروت وتصيب المرفأ، الّا انّ اجابة الجيش عن هذا السؤال استبعدت هذا الاحتمال.


 
 

النيابة العامة التمييزية، وبحسب مصادر موثوق بها، عادت وطلبت تأكيداً من الأقمار الاصطناعية الاميركية اذا رصدت اي هجوم صاروخي على المرفأ او اي أمر مُشابه، غير أن الاجابة الحاسمة عن هذا السؤال لم تُعرف بعد.

 

النيابة العسكرية طالبت أيضاً بدراسة للاتصالات الهاتفية، أي داتا الاتصالات في المنطقة، او اي تحرك مشبوه على الارض لحظة الانفجار. وطلبت، بحسب المصادر نفسها، دراسة عن التربة وهل هناك أي مواد اخرى غير المواد المتفجرة التي وجدت في ساحة الانفجار ومحيطه؟

 

وعلمت «الجمهورية» انّ غالبية النتائج والاجابات التي حصلت عليها النيابة العسكرية بعد هذا الاستطلاع وضعت جانباً فرضية الفِعل المقصود، فيما عزّزت التحليلات الفرنسية هذا الاستنتاج عندما أعلنت الرئاسة الفرنسية «أنّ الانفجار كان حادثة او accident، ويبدو انه لم يكن فعلاً مقصوداً».

 

 

 

هو إهمال؟

 

اذا استبعدت فرضية «الفعل المقصود» نكون قد ذهبنا الى «فرضية الاهمال»، وعنها تقول مصادر قضائية انّ التحقيقات أظهرت انّ العنبر رقم 12 جمع كل المواد الصاعقة والمتفجرة من نيترات ومواد مشابهة قابلة للاشتعال من مفرقعات وفتيل ومتفجرات ممّا سبّب قوة الانفجار. وأشارت الى انّ الدراسة العلمية التي سيقدمها الفرنسيون والجيش اللبناني هي التي ستحدّد ما هو الشيء الذي انفجر. هل هو 2750 طناً من نيترات الامونيوم؟ ام اقل من هذه النسبة؟ لأنه وبحسب المعلومات فإنّ حجم المواد التي انفجرت هي اقل من هذه النسبة، بينما ثمّة نسبة كبيرة متبقية منها ما زالت هناك ولم تنفجر، وهذه هي الخطورة في هذه المعلومة التي لا يمكن تأكيدها بانتظار نتيجة الدراسة العلمية للفرنسيين والجيش معاً.

 

 

 

التحقيق مع ضاهر قريطم ومرعي وغيرهم

 

تفيد المعلومات انّ التحقيق مع مدير عام الجمارك بدري ضاهر لم يكن سهلاً بل قاسياً، ويمكن وصفه بالمُربك بعدما امتد 6 ساعات متواصلة، فيما حاولَ ضاهر في بداية التحقيق المكابرة والاستقواء بالعهد، كما حاول تأخير حضوره ومثوله امام النيابة العامة التمييزية من خلال طلب المثول للتحقيق في قصر العدل امام النيابة القضائية، فكان الاصرار من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات حضور ضاهر امام النيابة العسكرية، على أن يتم إجراء التحقيق وفق الاصول. وعاوَن عويدات فريق من القضاة الذين أجروا التحقيقات مع باقي المتّهمين، فيما استجوب المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، ضاهر.

 

مجريات التحقيق

 

في مستهل التحقيق، نفى ضاهر ما نسب اليه من إهمال. لكن بعدما تبين خلال مجريات التحقيق أنه مسؤول بشكل واضح وبنسبة كبيرة عن هذا الاهمال، رضخ ضاهر لفرضية بعض اتهامات الاهمال التي وجّهت اليه وسُئل عنها، فحصر إهماله لجهة المراسلة التي بعث بها الى قاضي الامور المستعجلة، والتي جاءت بصورة مخالفة للاصول، كما نظيره أي سلفه المدير العام السابق شفيق مرعي الذي يتحمّل بدوره مسؤولية إهمال مماثلة لمسؤولية ضاهر.

 

أمام المحققين في الشرطة العسكرية، مَثُل المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي الذي بَدا في حالة انهيار تام بعد التهم التي وجّهت إليه. كذلك، وبحسب المعلومات، حاول حسن قريطم المدير العام لاستثمار المرفأ التَملّص من مسؤولياته، لكنّ التهم والمسؤوليات التي وجّهت اليه كانت صادمة وصارمة ومؤكدة، فلاذ بالصمت.

 

 

 

والسؤال: لماذا يتحملون المسوولية؟

 

تشير المادة 144 من قانون الجمارك صراحة، بل تفرض على مدير عام الجمارك التصرف بأيّ مواد مُشتبه بها اذا كانت البضائع المخزنة خطرة ومخالفة للقانون. وعليه بذلك اتخاذ التدابير الفورية بإتلافها او اعادة تصديرها. إلّا انّ ضاهر ومرعي اكتفيا بمراسلة مرجعيات غير صالحة، فيما لم تلق المراسلات تلك أية إجابات، بحسب المصادر.

 

وكشفت مصادر قضائية أنّ هناك مسؤولية مشتركة تقع على قريطم وضاهر حيث انّ للعنبر 12، مفتاحين، الأول مع بدري ضاهر والمفتاح الثاني مع قريطم. وبذلك تكون البضاعة داخل العنبر من مسؤولية الاثنين، وقد وضعا داخل العنبر 12، مفرقعات مع المواد الكيماوية والمتفجرات مع النيترات، ولذلك هي مسؤوليتهما سوياً.

 

وتفيد المعلومات انّ التحقيق الذي استمر ساعات نتج عنه حقائق عدة لم يتم الكشف عنها بالكامل حتى الساعة، علماً أنّ المحامي العام غسان خوري سيتابع اليوم فصول التحقيق المتتالية المتعلقة بالانفجار مع رؤساء الاجهزة الامنية في مرفأ بيروت بعد تكليفه من قبل النائب العام التمييزي غسان عويدات، فيما أبقي على الموقوفين الذين تم التحقيق معهم أي: ضاهر، وقريطم، ومرعي، إضافة الى موقوفين آخرين لدى الشرطة العسكرية في اليرزة، بانتظار انتهاء التحقيق في الملف. وبعدها سيُحالون على قاضي التحقيق الاول العسكري في المحكمة العسكرية، لأنّ صلاحية الملف بالكامل تبقى من صلاحية هذه المحكمة، باعتبار انّ الانفجار يشكّل اعتداء على أمن الدولة كما أنّ من بين المصابين ضباطاً من الجيش، على ان يحوّلوا الى القضاء المختص مع كافة المسؤولين الامنيين في المرفأ.

 

وأضافت المصادر انه بعد انتهاء التحقيق، واذا سارت الامور وفق الطرق الإستثنائية، فسيجتمع مجلس الوزراء ويطلب إحالة القضية الى المجلس العدلي، عندئذٍ تكلّف وزيرة العدل مع مجلس القضاء بتسمية محقّق عدلي يضع يده على كامل الملف.