من الذي دمّر بيروت؟ ألا يحق للبنانيين ان يعرفوا من ولماذا وكيف؟ وكيف تقبل الدولة اللبنانية أن يكون في عاصمتها، وتحديداً في مرفأ بيروت منذ 2013، 2750 طناً من نيترات الأمونيوم الموازية لـ 1800 طن من مادة الـTNT قريبة من ضواحي بيروت ومن المرافق السياحية والمنازل السكنية والشركات التجارية والسفارات ولم تسع لترحيلها حتى اليوم؟ واذا اعتبرنا انها مسؤولية من تولّى السلطة منذ 2013 فلماذا تشكلت حكومة الانقاذ في 2020؟
وفي حال صحّ السيناريو الأول المتمثّل برواية المراجع الامنية المعنية التي تصرّ على أنّ الكارثة سَبّبتها «حادثة تلحيم» لأحد ابواب العنبر الرقم 12 ! فإنّ مسؤولية مجلس الوزراء تبدأ بالتحقيق مع المسؤولين عن العنابر لكي يتحمّلوا مسؤولياتهم وبعدها تتم إقالتهم من وظائفهم وليس العكس، وبذلك يدفع هؤلاء ثمن جريمتهم الكبرى، سواء بخفض رُتَبهم او بإيقاف تعويضاتهم، أمّا التوجّه الى الاقالة المباشرة فهي تهريبهم من المسؤولية ومن دفع الثمن.

 

ولكن، من سيدفع أثمان دماء مئات الشهداء التي ذهبت سدىً وأشلاء الجثث الأخرى التي ستبدأ بالظهور عائمة في البحر؟ عدا عن ارتداداته التي تمكنت من ابتلاع باخرة سياحية بحجم الـorient queen. واذا كانت تلك الارتدادات قادرة على ابتلاع باخرة سياحية بهذا الحجم فهل يمكن تصوّر ما قد تكون هذه الارتدادات قد ابتلعت من الكائنات البشرية الحيّة في قعر البحر؟

 

السيناريو الثاني المتداوَل هو تصريح الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي استند الى تقارير مسؤولين من البنتاغون لم يصرّح عن أسمائهم، بأنّ «قنبلة ما» تسببت بالكارثة. وإذا افترضنا أنّ كلام ترامب مبني على وقائع فلا يمكن حسم سيناريوهات مراجعنا الامنية وجزم نظرية «التلحيم»، علماً أنّ ترامب قال انّ تقرير البنتاغون كشف عن انّ هناك سلاحاً عملانيّاً تخطّى مرحلة التجارب منذ شهرين واصبح في مرحلة التصنيع، وهذا السلاح قادر من الفضاء الخارجي بواسطة الاقمار الاصطناعية على اختلاق الحرائق في أمكنة محددة على الكرة الارضية، وقد أصبح عملانياً منذ شهرين. والسؤال: من يمكنه تَملّك هذا السلاح سوى الاسرائيلي او الروسي او الصيني؟

 

السيناريو الثالث المتداول يشير الى «تورّط» «حزب الله» بنحو او بآخر، وهو الأمر الذي يستبعده حتى خصوم الحزب بالقول ان لا مصلحة لديه مُطلقاً في قتل المئات من المواطنين اللبنانيين والتضحية بهم مقابل لا شيء! إذ ما هي مصلحة الحزب في إحداث مأساة كهذه تُزعزع السلم الأهلي في المرحلة الراهنة؟

 

لكنّ السؤال الذي يمكن طرحه هل يعلم «حزب الله» أم لا بوجود هذه الكمية الكبيرة من متفجرات النيترات في مرفأ بيروت؟ واذا كان يعلم لماذا السكوت؟ واذا صمت فهذا معناه انّ لديه غاية من السكوت، إذ لا يمكن القول انه لا يتابع أو على دراية، وهو الذي يتابع حتى تسليم المراكز في النقاط العسكرية وبدقّة. واذا كان لدى الحزب علم بهذه المتفجرات فلماذا لم يتابع تصديرها الى الخارج؟ لذلك، فإنه بشكل او بآخر، يتحمّل بدوره مسؤولية، إنما هو يعلم أنّ اللوم لن يوجّه إليه لأنها ليست مسؤوليته المباشرة، ولذلك... يتريّث.

 

أمام هذه السيناريوهات وقفت الحكومة على الاطلال، وقرأ رئيسها حسان دياب «نعوة بيروت»، إلّا انه في الوقت نفسه لم يتهرّب من واجباته. وبعد استجداء مساعدات الدول الشقيقة والصديقة، تقرر في مجلس الدفاع الأعلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة لتَحمّل المهمة الشائكة، لكن السؤال كيف يمكن لهذه اللجنة التدقيق وإتمام المهمة كما وعد عون ودياب؟ وهل ستتمكن تلك اللجنة من رفع تحقيقها خلال 5 ايام في وقت لم يتمكن المعنيون قبلها من ختم هذا التحقيق منذ 2013 وإجراء المقتضى حتى اليوم؟ والسؤال الأكبر هل تبدّلت الطبقة السياسية التي حكمت منذ عام 2014 حتى عام 2020 حتى تنجز ما عجزت عنه سابقاً؟

 

تدويل مأساة 4 آب

 

أمّا في حال تقاعس الحكومة، فهل يمكن طرح مسألة تدويل «نكبة 4 آب»؟ وكيف يمكن ان تدوّل تلك الكارثة؟ وهل المسؤولية كما قيل تقع على من تسبّب بحادثة التلحيم أم انّ غموضاً كبيراً يكتنفها؟ وكيف يمكن ان تدوّل هذه النكبة؟ وهل صحيح انها تبدأ من عريضة يوقعها نواب الأمة؟

 

الخبير الدستوري سعيد مالك يقول: «أساساً ليس هناك شيء اسمه استقالة مجلس النواب لأنّ مجلس النواب هو هيئة رقابية تشريعية لا يمكن استقالتها، بل الصحيح هو القول استقالة النواب. وعملياً، يجب الاخذ في الاعتبار انّ تلك الاستقالة حتى تؤتي مفعولها يجب ان يستقيل النصف زائداً واحداً من النواب حتى تتعطّل جلسات المجلس، وعندما تتعطّل المؤسسة الأم عندئذ ستذهب المؤسسة حُكماً الى انتخابات نيابية جديدة». ولكن السؤال: هل يمكن ذلك راهناً؟ لأنه ومن منظار العددية لا يمكن حصول ذلك، فالمستطاع سيكون في أكثر الحالات تحصيل استقالة 50 نائباً كحد أقصى في حال أجمعت كافة اطراف المعارضة على هذه الاستقالة.

 

أمّا القول انه عند استقالة مجلس النواب لن يعد ممكناً الطلب رسمياً من مجلس الامن تدويل الازمة اللبنانية، وتحديداً نكبة 4 آب، أي لا يمكن ان تكون العريضة رسمية، فيوضح مالك «انّ وصف الموضوع في هذا الشكل يضعه في إطار الاجتهاد القانوني، لأنّ منطق القانون والتدويل او فرض الوصاية على لبنان او تدويل قضيته لا تتم بهذا الشكل، والعريضة النيابية يمكن ان تشكّل مستند ضغط إضافي، ولكن المشكلة انّ العريضة اذا لم يوقعها نصف النواب زائداً واحداً فلن تعطي مفعولها لأنها لن تمثّل غالبية الشعب اللبناني، أي اننا نعود الى نظرية العددية التي ستلعب دورها الفعّال في احتمال التدويل، فيما استقالة 20 او 30 نائباً لا تكفي وحدها، لأنّ قانونية الاستقالة مشروطة بالعدد الذي يفرض نفسه واقعاً».

 

ويشير مالك الى «انّ الخطوة الاولى في مسار التدويل يمكن ان تبدأ بعريضة نيابية تقدّم الى مجلس الامن الدولي، وأن يطرح الموضوع ضمن إطار الجمعية العمومية للأمم المتحدة وليس على الـ15 عضواً في مجلس الامن، والجمعية العمومية ترفعها إليه».

 

إلّا أنّ مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى قالت لـ«الجمهورية» انّ «التدويل أصبح أمراً واقعاً»، موضحة «انّ ملف لبنان دُوِّل بالقوة وتلقائيّاً بسبب الظروف الطارئة». وأضافت: «ليس إعلان ترامب مساعدة شعب لبنان ومُسارعة الرئيس ماكرون الإعلان بعد 24 ساعة من التفجير عن قدومه الى لبنان سوى مؤشّرين الى بداية مراحل التدويل. وعندما ترسل قطر والكويت وكذلك كافة الدول العربية، التي كان قدومها محظوراً على لبنان، مساعدات عاجلة فهنا يطرح السؤال الكبير عمّا اذا كان باب خلاص أزمة لبنان الاقتصادية هو عبر تلك المساعدات، وانّ باب الخلاص من أزمته السياسية قد فتح عبر التدويل».

 

وتختم المصادر: «يكفي إعلان بيروت مدينة منكوبة ليكون قد تم بذلك تدويلها فوراً لأنّ البلدان المنكوبة عندما تضربها الكوارث الكبرى يكون التدويل «قد أتاها من الله... ومن القضاء والقدر».