منذ اللحظة الأولى للانفجار، لم يكن هناك سوى هاجس واحد: هل قامت إسرائيل بتنفيذ ضربةٍ ضد إيران، أي «حزب الله»، أم هو حادث من نوع آخر؟ ودامت حالة الترقّب نحو ساعتين، أي إلى أن أعلن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لوكالة «رويترز»: لا علاقة لنا بالحادث.

طبعاً، لا يعني ذلك أنّ المسؤول الإسرائيلي يتمتع بالصدقية. وتصريحُه لا يكفي للجزم بأنّ إسرائيل لا تقف وراء هذا العمل. فمن الممكن أن تكون إسرائيل مسؤولة عمّا جرى، ولكنها تعتمد تكتيكاً آخر يقضي بعدم الاعتراف حالياً بأي دور لها في العملية، إما تجنباً للمسؤولية دولياً، وإما تجنّباً لاستدراج «حزب الله» إلى الردّ الباكر في بيئة السكان المدنيين داخل إسرائيل.

 

وهذه الفرضية الثانية تبقى قائمة. وهناك تجارب سابقة تجنَّب خلالها الإسرائيليون الاعتراف بدورهم في استهداف بعض المواقع، كما جرى أحياناً في سوريا أو العراق.

 

ولكن اللافت هو أنّ «حزب الله» أصرَّ من جهته على استبعاد العامل الإسرائيلي. وهذا عامل مهم في الإضاءة على الحدث. وربما يعود السبب إلى اقتناع «الحزب» بعدم وجود دور لإسرائيل فعلاً. وربما يعود إلى رغبته في إبعاد نفسه عن محتويات المخزن الذي تعرّض للانفجار، أو للتفجير. فمجرد قول «الحزب»، مثلاً، إنّ إسرائيل هي التي استهدفته سيكون اعترافاً منه بأنّه هو صاحب مخزن الأسلحة والذخائر، وبهذا الحجم الهائل.

 

سيستتبع ذلك، في نظر المحللين، مسؤولية معينة لـ«حزب الله» عن إدخال هذه الأسلحة والذخائر بالبواخر، عبر مرفأ بيروت، ومن إيران على الأرجح. ولكن، يؤكّد القريبون من «الحزب» أنّ هذا الاحتمال ليس منطقياً على الإطلاق، لأنّ البحر الأبيض المتوسط، بساحله الشرقي خصوصاً، واقعٌ تماماً تحت الرقابة الدائمة والمكثفة للأساطيل الأميركية والغربية والإسرائيلية.

 

ووفق هؤلاء، لا يمكن لإيران أن تغامر بإدخال عتاد أو ذخائر لـ«الحزب» عبر البحر. وخطوطها البرية من العراق فسوريا إلى لبنان تبقى أقل خطراً من طريق البحر، على رغم الضربات الإسرائيلية. وكذلك، ينفي القريبون أن يكون المخزن عائداً إلى «الحزب» وأن يكون عناصره قد انتشروا في المكان بعد الانفجار.

 

في أي حال، هناك عامل يجدر التوقف عنده في هذا الخضم، وهو العرض الذي قدّمه الأميركيون إلى لبنان للمساعدة. ويرى بعض المحللين أنّ مجرد تقديم واشنطن للعرض يوحي بأنّها ليست مُحرَجة في بلوغ أي استنتاجات. وربما يعني ضِمناً أنّها تثق في عدم وجود صلة لحلفائها الإسرائيليين بالحادث.

 

إذاً، بمعزل عمّا إذا كان هناك دور لإسرائيل في الانفجار أم لا، فإنّ الهاجس الإسرائيلي يبقى قائماً دائماً في لبنان من حصول ضربات معينة. لماذا؟

 

الأمر يعود إلى 4 عناصر أساسية، استثارها الإسرائيليون، بدأت قبل عامين، واليوم بلغت الذروة:

 

1- أزمة معامل تأهيل الصواريخ الدقيقة الهدف التي تحدّث عنها الإسرائيليون في أيلول 2018، والتي اتهم الإسرائيليون «حزب الله» بإقامتها في المناطق الآهلة في بيروت وضواحيها.

2- أزمة الأنفاق الحدودية في كانون الأول 2018، والتي اعتبرها الإسرائيليون مبرراً للردّ على لبنان.

 

3- الضربات التي توجّهها إسرائيل إلى المواقع والأهداف والشحنات الإيرانية المرسلة من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان.

4- الضربات «الغامضة» التي تتعرّض لها إيران في الآونة الأخيرة، والتي أشار كثير من التحليلات أو المعلومات إلى دور إسرائيلي فيها.

 

في أي حال، الكلام الذي قاله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن كون المواد التي انفجرت «مواد شديدة الانفجار مُصادَرة منذ سنوات» يحمل مضامين مُهمّة من شأنها أن تضيء على جوانب مما حدث.

 

ولكن، لا يمكن استبعاد الفرضيات الأخرى، المرتبطة بإسرائيل، على رغم أن لا دلائل ظهرت في الساعات الأولى، بعد الانفجار إلى دور لها. فإذا تبيّن وجود هذا الترابط، ربما سيقود إلى أحد احتمالين:

 

- أن يكون مقدّمة لحرب أوسع.

- أن يكون بديلاً من هذه الحرب، إذا نجحت الضربات المنفردة في استنفاد الأهداف المطلوبة.

 

وعلى الأرجح، سيبقى هاجس الدخول الإسرائيلي على الخط الأمني مسيطراً في لبنان خلال الفترة المقبلة. والسخونة الأمنية والعسكرية تصبح مرجّحة عندما تتقاطع حولها مصالح الأطراف النافذين. وهناك إشارات إلى أنّ هذا التقاطع ربما يتكامل في المرحلة المقبلة، إذا لم يدرك لبنان كيف يسحب نفسه من «بيت النار».