بعد 7 أيام على إعادة فتح مطار بيروت الدولي، يصل الى بيروت في الساعات المقبلة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي كينيث فرانكلين ماكنزي ليجول على كبار المسؤولين. وهي زيارة تكاد ان تكون روتينية لو لم تأت في ظل الأجواء المحمومة التي يعيشها لبنان على وقع المواجهة الأميركية - الإيرانية، والتي شكّل لبنان إحدى ساحاتها كما سوريا والعراق. وعليه، ما الذي تنبىء به هذه الزيارة؟

 

ليست المرة الأولى التي يقصد فيها الجنرال كينيت فرانكلين ماكينزي بيروت، فهي الرابعة منذ تولّيه مهماته خلفاً للجنرال جوزف فوتيل في 28 آذار من العام 2019 بعد أن حصد الأخير بوجوده في المنطقة مجموعة الانتصارات التي حققها الجيش اللبناني، وأبرزها حرب «فجر الجرود» في النصف الثاني من آب عام 2017. فجاء ماكينزي ليواكب مرحلة ما بعد هذه الحرب، وليساعد على عملية اعادة تعزيز قدرات الجيش تعويضاً عمّا فقده من اسلحة وذخائر اميركية وغربية المنشأ في هذه الحرب، وفق برنامج وضعته قيادة الجيش التي حددت حاجاتها الملحة والضرورية.

 

لم تأتِ هذه المعادلة من فراغ فقد التزم الطرفان، لبنان والولايات المتحدة الأميركية، مقتضيات الاتفاق على استمرار برامج التعاون بينهما، بمعزل عن الخلافات السياسية التي فرّقت ما بين التوجهات الخارجية الأميركية واستراتيجيتها في منطقة الشرق الاوسط من جهة واللبنانية من جهة اخرى. والتي زادت تعقيداتها منذ تَولّي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية والمواقف التي تَفرّد بها وزير الخارجية جبران باسيل في النصف الأول من الولاية الرئاسية في اتجاه معاكس للادارة الاميركية من الوضع في سوريا والعقوبات المفروضة على ايران والدائرين في فلكها في المنطقة. وهي مواجهة صامتة الى حدّ بعيد بلغت حدتها الذروة في عدم وجود الرضى الأميركي على حكومة الدكتور حسان دياب التي تتهم «حزب الله» بإدارتها بمعزل عن «شركائه الصوريين» على كل المستويات. ولذلك، فقد بقي الجيش بقرار اميركي واضح وصريح خارج برامج التقنين التي اعتمدها الكونغرس الأميركي بتوصية من البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) الى لجنة الدفاع والأمن في الكونغرس الأميركي، باستثناء مؤسسة الجيش والقوى العسكرية والأمنية الأخرى وإبعادها عن بقية المؤسسات المستهدفة ببرامج تقليص المساعدات، وإن بقيت المساعدات الطارئة الخاصة بجائحة كورونا على اللائحة عينها والمساعدات الانسانية للنازحين والمجتمعات المضيفة لها.


 
 

ليس في ما سبق من شرح حول زيارات مماثلة لقائد أميركي الى بيروت سوى للتأكيد انّ اي قرار اميركي يَتّصل بالوضع في لبنان من جوانبه المختلفة لا يُطاول الجيش اللبناني، وهو ما سيؤكده ماكينزي في اول زيارة لموفد مدني أو عسكري اجنبي لبيروت غداً. وهو حَصرها بساعات قليلة يلتقي خلالها برفقة السفيرة الأميركية دوروثي شيا على التوالي، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب، قبل ان يلتقوا جميعاً بقائد الجيش العماد جوزف عون.

 

وعليه، ترى مصادر ديبلوماسية انّ من الواجب الفصل ما بين هذه الزيارة والمواقف الاميركية المتشددة من سياسات لبنان الداخلية والاقليمية. كما بالنسبة الى عتبها الكبير - الذي لم يعد خافياً على احد - على ما بلغه الخروج عن مبدأ «النأي بالنفس» الذي شجّعت عليه واشنطن ومعها عواصم الدول الكبرى المنضوية تحت تركيبة «مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان»، التي شكّلت في ايلول 2014 لمواجهة ترددات أحداث المنطقة على البلد الصغير.

 

كان واضحاً انّ واشنطن اشترطت ان تبقى ساحة لبنان في منأى عن تورط اي طرف لبناني بمجموعة الحروب التي تُخاض في المنطقة من سوريا الى العراق وامتداداً الى دول الخليج العربي ما بين باب المندب والخليج العربي، وهو ما لم يحصل بسبب استمرار «حزب الله» في هذه المواجهة واستدراج نتائجها السلبية التي انعكست اقتصادياً ونقدياً وسياسياً على الساحة اللبنانية الى الذروة التي نشهد فصولاً منها منذ مطلع السنة الجارية بوجوهها النقدية والاقتصادية المتعثرة.

 

وعلى رغم من التطمينات الأميركية التي توحي بها الزيارة بأهدافها العسكرية والأمنية، تعترف مصادر واسعة الاطلاع بأنّ شيا لن تحصر مداخلاتها بالهموم العسكرية والأمنية. وهي ستستغلّ المخاوف التي سيعبّر عنها الجنرال ماكينزي الذي لا يرى انّ الوضع في لبنان منفصل عمّا يجري في الدول المجاورة والمواجهة المفتوحة مع ايران، وذلك بالاستناد الى المعطيات التي تحدد استراتيجية واشنطن العسكرية في المنطقة كما يفهمها الزائر الاميركي وينفذها.


 
 

فمجرّد تلميح الجنرال ماكينزي عند قراءته للمنطقة التي يُشرف عليها، سيفتح الجدل وتحديداً حول ما يجري في العراق من مواجهة عسكرية مباشرة بين القوات الأميركية والمجموعات المسلحة الموالية لإيران منذ اغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، ونائب رئيس «الحشد الشعبي» العراقي الموالي لطهران أبو مهدي المهندس، فجر الجمعة في أول ايام السنة الحالية في ضربة أميركية استهدفت سيارتهما قرب مطار بغداد الدولي. فليس غافلاً على احد انّ ماكينزي أشرف على تنفيذ العملية، وهو مَن شغل قبل قدومه الى المنطقة بعد حربيَ افغانستان والعراق منصب «مدير الخطط الاستراتيجية والسياسية» في وزارة الدفاع الاميركية لعامين بين حزيران 2015 والعام 2017، قبل ان يتولى منصب «مدير الأركان المشتركة» قبَيل انتقاله الى قيادة المنطقة الوسطى في الشرق الاوسط.

 

وبطبيعة الحال، تقول المراجع العليمة انّ حديث الجنرال الاميركي سيؤدي تلقائياً الى تقديمه عرضاً لِما تقوم به الحكومة العراقية لتجنيب بلادها مخاطر الوضع الذي يشبه الى حدّ بعيد ما يجري في لبنان وخططه للخروج من الأزمة، التي طالما تمّ التشبيه بينها وما يجري في لبنان من منظار العلاقة القائمة بين بغداد وطهران وما هو قائم بين طهران والضاحية الجنوبية من بيروت.

 

وهو ما سيشكّل مناسبة ليكون لشيا رأي في ما هو مطلوب من الجانب اللبناني للخروج من المأزق وتعزيز خطوات التعافي المالي والسياسي والاقتصادي في لبنان. وعليه، سيكون لبنان مهيّئاً لشرح اميركي يعطي الانطباع عن التعاون القائم بين الحكومة الجديدة في بغداد والقوات الأميركية. وما لم تقله شيا سيكون على لبنان فهمه في انّ الصيغة العراقية اذا طُبّقت في لبنان لـ»عَرقنته» بعد «لبننة» العراق ستكون مفيدة للحكومة والشرعية اللبنانية.

 

وعليه، طرحت بعض الاسئلة ومنها: هل هناك من يفهم ويسمع لِيتّعِظ ويبني أولى الجسور الى مرحلة الإنقاذ أيّاً كانت الكلفة؟ وأيّاً كانت النتائج المترتبة على هذه القراءة، من الصعب الرهان على أنّ المسؤولين اللبنانيين سيفهمون الرسالة؟ وإن فَهموها فهل في إمكانهم تطبيقها بعدما سدّت الآذان على ما يشبهها؟!