مرة اخرى، تعود العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» إلى دائرة الضوء، مع تزايد الكلام في بعض الدوائر السياسية على أنّها تواجه خطر التصدّع. فما حقيقة الأمر، وأي منحى تتخذه تلك العلاقة حالياً؟

 

 

 

سُجلت في الأيام الأخيرة مجموعة من الإشارات اعتبرها البعض دليلاً على فتور اصاب التحالف بين الجانبين، بدءاً من كلام رئيس «التيار» النائب جبران باسيل خلال مؤتمره الصحافي الاخير، حول دور قوى الأمر الواقع في ملف التهريب إلى سوريا، مروراً بتصويت «حزب الله» في مجلس الوزراء ضدّ إنشاء معمل الكهرباء في سلعاتا، وشعور «التيار» بأنّ الحزب لا يجاريه في معاركه الإصلاحية، وصولاً الى المواقف المستجدة لعضو «تكتل لبنان القوي» النائب زياد اسود من سلاح المقاومة، واعتباره انّه لا يمكن الجمع بين الجوع والبندقية، فيما هناك من يضيف سبباً آخر الى هذه اللائحة، ويتمثل في تعمّد الحزب الإبقاء على مقدار من الغموض والالتباس، حول حقيقة موقفه حيال خيار ترشّح باسيل الى رئاسة الجمهورية.

 

تعكس هذه المحطات، من وجهة نظر اوساط سياسية، اتساع مساحة الخلاف بين طرفي وثيقة مار مخايل الشهيرة، وبالتالي هي تفتح الباب، امام احتمال إعادة خلط أوراق تفاهمهما، تمهيداً لتموضع جديد يعطي كلاً منهما هامشاً أوسع من الحرّية او «اللامركزية السياسية» في التعامل مع الملفات والتحدّيات التي تواجههما، بعدما تغيّرت الظروف التي املت شراكتهما في السراء والضراء.


 
 

غير انّ مطلعين على تفاصيل علاقة الجانبين في هذه المرحلة يؤكّدون انّ التباينات التي حصلت اخيراً موضعية ولا تتحمّل التفسيرات التي تُعطى لها، لافتين إلى أنّ الفروقات لا تعني الافتراق، «وتحالف الطرفين لا يزال قوياً ومتماسكاً، وهو يتميّز بطبيعته المرنة وبقدرته على هضم التمايزات الظرفية التي تطرأ احياناً، من دون أن يدعها تؤثر على الجوهر الاستراتيجي الذي يجمعهما».

 

ووفق هؤلاء، يدرك الحزب والتيار، انّ كثراً في الداخل والخارج «ينتظرون بفارغ الصبر لحظة انفراط عقد تحالفهما، ويعرفان انّ المتضررين منه سعوا وسيسعون الى اقتناص ولو «ميني فرصة» لنسف ركائزه والتحريض عليه».

 

والواثقون في مناعة تفاهم التيار والحزب، يستمدون اطمئنانهم «من شخص الجنرال والسيد، على قاعدة أنّهما ضمانة للتحالف، وبالتالي لا يمكن أن يسمحا لما زرعته أيديهم في 6 شباط 2006 بأن يذهب الآن هباء منثوراً».

 

صحيح انّ بعض التيار يأخذ على الحزب انّه يستمد منه الغطاء المسيحي الذي صارت كلفته باهظة اكثر من اي وقت، من دون أن يمنحه في المقابل وعلى قاعدة المعاملة بالمثل، الغطاء المشابه والدعم الكافي في معاركه لتحقيق الإصلاح ولجم الفاسدين..

 

وصحيح انّ الحزب يأخذ على صقور التيار انّهم يريدون استقطابه نحو أولوياتهم وحساباتهم، من غير مراعاة اتساع زاوية الرؤية لديه، والتي تمتد من لبنان الى ساحات المنطقة، وصولاً الى محاولة إحراجه ودفعه في اتجاه الصدام، تارة مع الرئيس نبيه بري وطوراً مع الوزير السابق سليمان فرنجية، تحت شعار محاربة الفساد حيناً وتحت تأثير اعتبارات المعركة الرئاسية المقبلة حيناً آخر..


 
 

لكن، وعلى الرغم من كل ذلك، يجزم قريبون من الحزب بأنّ التحالف لم يغادر بعد منطقة الأمان الاستراتيجي، وانّ التحدّيات التي يواجهها لا تزال تحت السيطرة، ولو بدا انّ منسوبها ارتفع نسبياً اخيراً.

 

وفي ما خصّ الالتباسات التي تخضع إلى الأخذ والردّ، تفيد معلومات المحيطين بـ»حزب الله»، انّ باسيل لم يكن يقصده بعبارة قوى الأمر الواقع الحزب، بل قصد مجموعات محدّدة من الاهالي او العشائر تتحكّم بعدد من المعابر غير الشرعية على الحدود الشرقية مع سوريا. اما تصريحات النائب اسود فيغلب عليها، تبعاً لهؤلاء، طابع الاجتهاد الشخصي، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للتيار.

 

وبالنسبة الى تصويت «حزب الله» المغاير لاتجاه التيار في مسألة معمل سلعاتا، عُلم انّ الحزب يضع هذا التباين في إطار «التمايز التقني»، الذي لا ينطوي على أبعاد سياسية، مشبّها إيّاه بتجربة سابقة مع حركة «امل»، حين حصل قبل فترة تفاوت في مقاربة قانون تشريع الاستخدام الطبي للمخدرات، من دون أن يؤثر ذلك على تحالف الثنائي الشيعي.

 

وبالوصول الى الاستحقاق الرئاسي المقبل، ربما يفترض المتحمسون في التيار، انّ الضاحية يجب أن تكون في المبدأ أقرب إلى دعم خيار باسيل لرئاسة الجمهورية، حتى ولو قبل سنتين من موعد الاستحقاق، بينما يعتبر الحزب انّه من المبكر كثيراً الخوض في هذا الشأن، الذي يرتبط بما ستستقر عليه مجموعة عوامل محلية وخارجية في لحظة اتخاذ القرار، إضافة إلى أنّ التزام الحزب الرسمي والوحيد كان اساساً مع العماد عون في معركته الرئاسية، وهو ظلّ الى جانبه حتى جرى انتخابه، متحمّلاً شتى انواع الاتهامات في مرحلة الفراغ الرئاسي. أما بعد انتهاء ولاية عون فالامور مرهونة بظروفها، ولا يمكن من الآن رسم اي سيناريو استباقي.


 
 

ويقول قيادي في «حزب الله» أنّ العلاقة بالتيار الحر «ثابتة وراسخة ومتينة»، مستغرباً ما يُشاع حول تعرّضها الى الاهتزاز.

 

ويعتبر، انّ بعض التمايزات التي تُسجّل من وقت إلى آخر مشروعة وبديهية ولا تفسد جوهر التفاهم، «إذ انّ التيار والحزب ليسا جسماً واحداً، وتحالفهما لا يعني ذوبان احدهما في الآخر، بل تبقى لكل منهما خصوصيته، تحت سقف التفاهم والتعاون».

 

ويكشف القيادي، انّه وخلافاً لما يُحكى عن توتر بين الجانبين، يجري العمل على مزيد من التعميق لعلاقتهما والتفعيل لها، عبر تشكيل لجان مشتركة ومتخصّصة للتنسيق حول عدد من الملفات.

 

ويشير الى انّ الاجتماع الذي عُقد قبل أيام قليلة بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، هو مؤشر إلى عدم صحة الاستنتاجات الخاطئة، «علماً انّ اجتماعات الرجلين دورية ولم يتبدل شيء في وتيرتها».

 

ويلفت القيادي، إلى أنّ التواصل مباشر بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وباسيل، «وليست كل اجتماعاتهما يُعلن عنها رسمياً، إذ أنّ بعضها يتم بعيداً من الاضواء، إلى جانب انّ قناة التشاور مفتوحة باستمرار بين باسيل وصفا، المكلّف من قبل نصرالله بمتابعة شؤون العلاقة مع رئيس التيار».