هل ترى لو كان مسعى السيد الخامنئي ومُرتجاه خير أمّة محمد، لسعى أولاً لمدّ يد الصلح والسلام لجيرانه الخليجيين، وترك شيعة اليمن والعراق وسوريا ولبنان يتدبّرون أمرهم بعيداً عن الكردسة والتّسلّح، وتخريب أوطانهم، لو كان يسعى لخير أمة محمد لعقد مع أبناء الملّة (أي المسلمين) عهود السلم والعافية والرخاء بدل عقود الإتفاقات المُذلّة مع الأبعدين وتجاهل مصالح وخير الأقربين.
 

أُثير مؤخراً ذاك التّقريض والاعجاب بالإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، من جانب السيد علي الخامنئي وليُّ أمر المسلمين في إيران، والحاكم الفعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتلمّس كثيرون من هذا الإعجاب والإطراء لتاريخ الإمام الحسن وسلوكه مع والي الشام معاوية بن أبى سفيان، اتّجاهاً عند السيد الخامنئي للتّصالح مع "الامبريالية" الأميركية، التي تُحاصر إيران منذ أكثر من عامٍ بعد إلغاء الرئيس الأمريكي ترامب للإتّفاق النووي بين البلدين، ورأوا في ذلك نِيّةً عند  المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية بإنهاء النزاع الأميركي- الإيراني، ووضع حدٍّ نهائي لهذه الحرب الإقتصادية المُستعرة بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية واعتلاء الإمام الراحل روح الله الخميني زمام الحكم في إيران.

 

 

وهذه كما يبدو ليست سوى استنتاجاتٍ أقرب ما تكون للمتخيّلات منها لوقائع يمكن أن يُبنى عليها، فلو أراد السيد الخامنئي التصالح مع الرئيس الأمريكي، لسعى لذلك بلا مواربة، وذلك كما سبق أن قبِل مؤسّس الجمهورية الإمام الخميني قرار وقف إطلاق النار مع العراق عام ١٩٨٨، فهذه سابقة مشهودة ومُعاصرة يمكن الاقتداء بها، ولا موجب للإستناد والاقتداء بتاريخ الإمام الحسن وصُلحه مع والي الشام معاوية بن أبى سفيان في حينه، فلا السيد الخامنئي هو الحسن بن علي، ولا ترامب هو معاوية بن أبي سفيان، فما أُثِرَ عن اضطرار الحسن للصّلح مع معاوية واعتزاله الخلافة الإسلامية عام واحد وأربعين للهجرة، كان التّهديد العسكري المباشر لجيش معاوية للأراضي العراقية، وتخاذل بعض القيادات العراقية وتسلُّلها ليلاً إلى معاوية، الذي كان يُتقن شراء الضمائر، وكان لغياب الإمام علي بن أبي طالب عن ساحة الصراع بعد اغتياله الأثر النفسي الكبير عند ولده الحسن وسائر أنصاره وأتباعه، فقد كان الإمام علي مُتفوّقاً على معاوية ب"سابقته" الإسلامية وقرابته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّا بعد اغتياله واختلال الموازين لصالح معاوية، أمكن لهذا أن يُفاخرَ ويُنبّه الحسن إلى أنّه "لو كان يعلم أنّه (أي الحسن) أقوم بالأمر،  وأقسطُ للنّاس وأكيد للعدو، وأحوط على المسلمين وأعلم بالسياسة، وأقوى على جمع المال منه لأجابهُ إلى ما سأل، لأنّهُ يراهُ لكلّ خيرٍ أهلاً"، ويُضيف: " إنّ أمري وأمرك شبيهٌ بأمر أبي بكر وأمركم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم" ( أنساب الأشراف للبلاذري، ج٢، ص٢٩-٣٠)، على هذا النحو أرسى معاوية شرعيته للخلافة على قدرته الشخصية، على خبرته وعلى سنّه، وهذا ما كان مُحالاً مع الإمام علي بن أبي طالب، حتى أنّه ذهب إلى إجراء مقارنة بين حاله وحال أبي بكر، الذي اختارتهُ الأمّة بسبب كفاءاته وقُدراته، وليس بسبب قرابته من النبي، مُتجاهلاً بالطبع أنّ أبا بكر كان صاحب سابقةٍ في الإسلام.

اقرا ايضا : باسيل في مؤتمره الصحافي يقطُرُ عِفّةً واستقامة

 


بعد اعتزال الإمام الحسن الخلافة، حقناً لدماء المسلمين، وقوله في خُطبةٍ له في "ساباط": ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خيرٌ لكم ممّا تُحبّون في الفُرقة. وحقّ له أن يُفاخر بأنّ اعتزاله هذا كان لخير أمّة محمد، فيا هل ترى لو كان مسعى السيد الخامنئي ومُرتجاه خير أمّة محمد، لسعى أولاً لمدّ يد الصلح والسلام لجيرانه الخليجيين، وترك شيعة اليمن والعراق وسوريا ولبنان يتدبّرون أمرهم بعيداً عن الكردسة والتّسلّح، وتخريب أوطانهم، لو كان يسعى لخير أمة محمد لعقد مع أبناء الملّة (أي المسلمين) عهود السلم والعافية والرخاء بدل عقود الإتفاقات " المُذلّة" مع الأبعدين وتجاهل مصالح وخير الأقربين.

 

 

يؤمن ويعتقد جمهور الشيعة بانّ الإمام الحسن المُجتبى هو إمامٌ معصوم، توحّدت الأمة الإسلامية على يده، حتى دُعي العام ٤١ للهجرة( عام الصلح مع معاوية) بعام الجماعة، وهذه ليست حال القائد الخامنئي ولا غيره من القادة والرموز في أيّ حالٍ من الأحوال.