لماذا لا نمتلك أدوية لعلاج فيروس كورونا المستجد، وكم من الوقت سيستغرق في تطويرها؟ الإجابة ببساطة أنّ الفيروس التاجي الذي يسبّب المرض COVID-19 جديد تماماً، وقد يستغرق تطوير دواء جديد له سنوات. لذا، فإنّ هناك طريقة أخرى، وهي البحث في الأدوية القديمة.
 
بحسب مقال لعالم الأحياء نيفان كروغان، أستاذ ومدير معهد العلوم البيولوجية الكمية في جامعة كاليفورنيا على موقع «Science Alert»، فإنّ الفيروس التاجي الجديد لا يمنح العالم هذا النوع من الوقت. ومع إغلاق معظم دول العالم والتهديد الذي يلوح في الأفق بملايين الوفيات، يحتاج الباحثون إلى إيجاد دواء فعّال بشكل أسرع لهزيمة فيروس كورونا.
 
 
 
ويقول: «لقد قدّم هذا الوضع للاختصاصيين التحدي وفرصة نادرة للمساعدة في حلّ هذه الأزمة الصحية والاقتصادية الضخمة التي يشكّلها الوباء العالمي».
 
 
 
 
 
وفي مواجهة هذه الأزمة، جمع كروغان فريقاً في معهد العلوم البيولوجية الكمية (QBI) في جامعة كاليفورنيا، لاكتشاف كيف يهاجم الفيروس الخلايا. ولكن بدلاً من محاولة إنشاء دواء جديد بناءً على هذه المعلومات، «فإننا نتطلّع أولاً لمعرفة ما إذا كانت هناك أي أدوية مُتاحة اليوم يمكن أن تعطّل هذه المسارات وتحارب الفيروس التاجي».
 
 
 
ويعمل الفريق المكوّن من 22 باحثاً، تحت اسم QCRG، بسرعة فائقة - على مدار الساعة وفي نوبات - 7 أيام في الأسبوع.
 
 
 
خصم خفي
 
 
 
ومقارنة بالخلايا البشرية، تكون الفيروسات صغيرة ولا يمكنها التكاثر بمفردها. ويحتوي الفيروس التاجي حوالى 30 بروتيناً، بينما تحتوي الخلية البشرية على أكثر من 20,000. وللتغلّب على هذه المجموعة المحدودة من الأدوات، يقوم الفيروس بتحويل جسم الإنسان بذكاء ضد نفسه.
 
 
 
وعادةً ما تكون المسارات المؤدية إلى الخلية البشرية محمّية من الغزاة الخارجيين، لكنّ الفيروس التاجي يستخدم بروتيناته الخاصة مثل المفاتيح لفتح هذه «الأقفال» ودخول خلايا الشخص. وبمجرّد دخوله، يرتبط الفيروس بالبروتينات التي تستخدمها الخلية عادةً لوظائفها الخاصة، حيث تقوم بشكل أساسي باختطاف الخلية وتحويلها إلى مصنع لفيروسات كورونا.
 
 
 
 
 
ومع إعادة تأهيل موارد وميكانيكا الخلايا المصابة لإنتاج آلاف وآلاف الفيروسات، تبدأ الخلايا في الموت. وخلايا الرئة معرّضة لهذا الأمر بشكل خاص لأنها تتكوّن من كميات كبيرة من بروتينات «القفل» التي يستخدمها فيروس كورونا للدخول. ويتسبّب موت عدد كبير من خلايا الرئة لدى الشخص في ظهور أعراض تنفسية مرتبطة بـ COVID-19.
 
 
 
وهناك طريقتان للرد. أولاً، يمكن أن تهاجم الأدوية بروتينات الفيروس ممّا يمنعها من القيام بوظائف مثل دخول الخلية أو نسخ المواد الوراثية بمجرد دخولها. وهذه هي الطريقة التي يعمل بها Remdesivir - وهو دواء يتم استخدامه حالياً في التجارب السريرية لفيروس كورونا.
 
 
 
والمشكلة في هذا النهج هي أنّ الفيروسات تتحول وتتغير بمرور الوقت، بحسب كروغان.
 
 
 
«في المستقبل، يمكن أن يتطور الفيروس التاجي بطرق تجعل دواء مثل remdesivir عديم الفائدة. فسباق التسلّح بين الأدوية والفيروسات هو السبب الذي يجعلك بحاجة إلى لقاح الأنفلونزا كل عام». وبدلاً من ذلك، يمكن أن يعمل الدواء عن طريق منع البروتين الفيروسي من التفاعل مع البروتين البشري الذي يحتاجه. وهذا النهج - حماية الجهاز المضيف بشكل أساسي - له ميزة كبيرة على تعطيل الفيروس نفسه، لأنّ الخلية البشرية لا تتغيّر بسرعة.
 
 
 
تعلّم خطط العدو
 
 
 
أوّل شيء كان يجب على مجموعة كروغان القيام به هو تحديد كل جزء من المصنع الخلوي الذي يعتمد عليه الفيروس التاجي في التكاثر. «كنّا بحاجة إلى معرفة البروتينات التي كان الفيروس يختطفها»، على حد تعبيره. وللقيام بذلك، ذهب فريق بحثي في رحلة صيد جُزيئي داخل الخلايا البشرية. وبدلاً من وجود دودة على الخطّاف، استخدموا بروتينات فيروسية بعلامات كيميائية صغيرة مُلحقة بها. يفسّر: «نضع هذه الطعوم في خلايا بشرية تنمو في المختبر ثم نخرجها لنشاهد ما تمّ التقاطه. فأيّ شيء عالق هو بروتين بشري يختطفه الفيروس أثناء العدوى».
 
 
 
وبحلول 2 آذار، كان لدى كروغان وزملائه قائمة جزئية من البروتينات البشرية التي يحتاجها الفيروس التاجي ليتكاثر، وكانت هذه هي القرائن الأولى التي يمكن استخدامها.
 
 
 
هجوم مضاد
 
 
 
وبمجرد حصول الباحثين على قائمة الأهداف الجزيئية التي يحتاجها الفيروس للبقاء على قيد الحياة، تسابق أعضاء الفريق لتحديد المركبات المعروفة التي قد ترتبط بهذه الأهداف ومنع الفيروس من استخدامها للتكاثر. وإذا كان يمكن للمركب أن يمنع الفيروس من نسخ نفسه في جسم الشخص، تتوقّف العدوى.
 
 
 
ولكن لا يمكن ببساطة التدخّل في العمليات الخلوية حسب الرغبة من دون التسبّب بضرر للجسم، فكان يتعيّن على الباحثين التأكد من أنّ المركّبات التي حددناها ستكون آمنة وغير سامّة للناس. وقد تتضمن الطريقة التقليدية للقيام بذلك سنوات من الدراسات ما قبل السريرية والتجارب السريرية التي تكلّف ملايين الدولارات. ولكن هناك طريقة سريعة ومجانية في الأساس بشأن ذلك: البحث في 20 ألف دواء معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية تمّ اختبارها بالفعل للسلامة.
 
 
 
 
 
واستخدم الكيميائيون قاعدة بيانات ضخمة لمطابقة الأدوية والبروتينات المعتمدة التي يتفاعلون معها مع البروتينات في هذه القائمة، ووجدوا 10 أدوية مرشحة الأسبوع الماضي. وعلى سبيل المثال، كانت إحدى النتائج عبارة عن دواء للسرطان يسمّى JQ1. وعلى رغم صعوبة التنبؤ بكيفية تأثير هذا الدواء على الفيروس، إلّا أنّ لديه فرصة جيدة للتأثير فيه. ومن خلال الاختبارات، سيعرف العلماء ما إذا كان هذا الشيء يساعد المرضى.
 
 
 
نشر القوات في ساحة المعركة
 
 
 
وخلال فترة قريبة، من المتوقع أن يحدّد العلماء ما إذا كان أيّ من هذه الأدوية فعّالاً في القضاء على الفيروس. وفي غضون ذلك، يواصل الفريق البحثي الصيد باستخدام طعوم فيروسية، حيث وجد مئات من البروتينات البشرية الإضافية التي يتعاون معها الفيروس التاجي.
 
 
 
ويقول كروغان: «الخبر السار هو أنه حتى الآن، وجد فريقنا 50 عقاراً موجوداً بالفعل مُتعلقاً بالبروتينات البشرية التي حددناها. وهذا العدد الكبير يجعلني آمل أن نتمكن من العثور على دواء لعلاج COVID-1».