لنخرج الآن من السجال السياسي، ولكن ليتوقف المتحدثون، بغير ما يعلمون، عن الكلام، فالقضية تتخطى الوعظ والإرشاد الديني، وبالتأكيد فإنّ من له خبرة في إدارة المعارك العسكرية يعلم كيف يقتل البشر، ولكنه غير خبير في طريقة حمايتهم، وهذا قصر الكلام بهذا الخصوص.

 

أمّا بالعودة إلى الواقع، فإنّ نعمة التواصل الاجتماعي اليوم قد تتحول إلى نقمة، وحتى كارثة، كالسلاح الذي يحمله جاهل. على جميعنا التوقف عن نقل الأخبار، وحتى ما نعتقده صحيحاً منها، وترك التصاريح لأصحاب الشأن والاختصاص، فما نراه صحيحاً قد لا يكون سوى انطباع شخصي وقد يُفهم بشكل قد يثير الهلع أو يدفع للتهور أحياناً.

 

لذلك فمن المفيد اليوم الاستماع فقط إلى أصحاب الاختصاص المعرّف عنهم. يعني أنّ كل التصاريح المسجلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى ولو نسبت الى مراجع مختصة، لا يمكن الركون إليها لأسباب عدّة، فمنها ما يكون إشاعة مُغرضة أو بريئة، وأخرى لمتنطّحين للكلام من دون معرفة، وحتى بعض الزملاء الأطباء لا يجب عليهم إعطاء نصائحهم العامة وترك أمر الإدارة والإرشاد للسلطات المختصة.

 

هذا من ناحية مسؤولية المواطن، أمّا للسلطة فعليها فعلاً تسليم أمر إدارة الأزمة لأصحاب الاختصاص في المسائل المتعلقة بالأوبئة وطريقة إدارة الأزمات في حال حصولها، وهذا لا يعني أنّ القرار السياسي يجب أن يغيب، ولكن المؤكد هو أنّ القرار السياسي يجب أن يضع في خلفيته النصائح من ذوي الاختصاص في المرتبة الأولى.

 

من هنا فإنّ الإدارة في بلد مثل لبنان هو في حجم مدينة متوسطة على المقياس السكاني اليوم، يجب أن تكون مركزية وتوضع في تصرّفها القدرة على فرض خياراتها المبنية على منطق الصحة العامة. ومن هنا أعتقد أنّ المرحلة الأولى من الوباء قد تخطّيناها والآن نحن في وضع التحسّب للأسوأ، وذلك بناء على ما نراه في العالم. لذلك على الإدارة السياسية والصحية تخصيص علاج المصابين الفعليين في المستشفيات الحكومية، وتحويل الحالات الأخرى للمستشفيات الخاصة، وتأجيل كل الحالات الجراحية الباردة بشكل قاطع وتصنيف هذه الحالات حتى نتفادى الاستنسابية.

 

يعني ذلك توجيه القدرات المتوفرة إلى المستشفيات الحكومية، والاستعانة بطواقم طبية وتمريضية لدعم هذه المستشفيات إذا دعت الحاجة. وهنا على الطواقم الطبية التصرّف على أساس أنّ واجبها التعاون والجهوزية الكاملة. أمّا الإصرار في هذه المرحلة على تحميل المستشفيات الخاصة عبء علاج الحالات فسيؤدي حتماً إلى تبذير الجهود والاستنسابية في تقرير الأمور، مما قد يتسبّب بزيادة تفشي المرض.

 

الجزء المتعلق بمنع التجمعات بكل أشكالها، من دينية واجتماعية وتعليمية وترفيهية، يبدو أنه قيد التطبيق وعلينا جميعاً الالتزام به، إن لم يكن حرصاً على الذات، وهو واجب، فحرصاً على الأقربين وعلى مبدأ المسؤولية الاجتماعية العامة.

 

بالعودة إلى قضية المزاد المفتوح لبعض السياسيين لتبرّعهم بمخصصاتهم، فمن المهم التنويه بأنّ التبرعات المشكورة يجب أن توضع بشكل مركزي وغير انتقائي لتصبح ذات فعالية، وأن نتوقف عن الإعلان الشخصي عن هذه المواقف وأن توضع آلية مركزية، موجودة أصلاً، لهذه الأوضاع.