فجأة تغيّر العالم، تقطّعت أوصاله بعد ان كان التسابق حول إسقاط حاجز الحدود وسرعة الاندماج. تلاشت الأزمات والاهتمامات الكبرى لتتصدر إجراءات الحماية والحد من الانتشار السريع للجرثومة الجديدة التي ظهرت للمرة الأولى في مدينة «ووهان» الصينية.
 

صحيح ان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد «كورونا»، لكن من السذاجة الاكتفاء بالجانب الطبّي فقط، فالمصالح السياسية تبقى أقوى من الجوانب الطبية.

 

المشكلة انّ الربع الاخير من هذا العام سيشهد انتخابات رئاسية مثيرة في الولايات المتحدة الاميركية، البلد الأكثر قوة والاكبر إمكانات والاشد تأثراً في العالم، والأهم انّ هذه الانتخابات ستحدد مصير بقاء او رحيل أكثر رئيس اميركي إثارة للجدل في التاريخ.

 

ووسط عاصفة كورونا وكيفية مواجهتها، تصاعد التشكيك الاميركي الداخلي بقدرة دونالد ترامب على مواجهة الازمة. فأخصامه يتهمونه بأنه ليس لديه القدرة الفكرية او الاستراتيجية لإيجاد سبل المعالجة. ويأخذ هؤلاء على ترامب، وهم بمعظمهم من الحزب الديموقراطي، بأنه أمضى طوال شهر شباط وهو يقلّل من مخاطر تهديد هذا الفيروس على الاميركيين، وهو ما أدى بحسب هؤلاء الى هدر وقت ثمين كان من المفترض ان يكون لحشد الموارد وطرق المعالجة.

 

وفي الكونغرس الاميركي اتهم الاعضاء «الديموقراطيون» إدارة ترامب ببطء تطبيق الاجراءات لناحية الاستجابة المتأخرة وعدم توافر مجموعات الاختبار، ما ساعَد المرض على الانتشار بشكل أسرع.

 

وفي آخر استطلاع أجرته جامعة «كوينيبياك» الاسبوع الماضي تبيّن انّ 49 % من الناخبين المسجلين يرفضون طريقة تعاطي ادارة ترامب مع اجراءات الحماية من «كورونا» في مقابل 43 %، وهو تراجع كبير يصيب شعبية مؤيديه.

 

لذلك ارتفع منسوب القلق لدى ترامب، وسعى لبدء حملة انتقاد لإدارة سلفه باراك اوباما مجدداً على أساس تعاملها سابقاً مع انفلونزا الخنازير، لكنه يدرك انّ هذا ليس كافياً. ذلك انّ انتقادات أخرى ضده كان سبق ووجّهها قادة استخبارات سابقون بأنه يفتقر لمعرفة قضايا الامن القومي ويتجاهل بشكل منهجي معلومات تتناقض مع الاهداف السياسية، وأنه يعتمد على مصادر معلومات مُنحازة وخائبة ويتّخذ قراراته بتسرّع وردّة فِعل. وفي هذا التركيز على ترامب كمَن يمسك الرجل باليد التي توجعه. فهو أخفق حتى الآن في تحقيق إنجازات خارجية، باستثناء اتفاقه مع طالبان في افغانستان والذي ما يزال يخضع للاختبار.

 

أضف الى ذلك التهديد الذي يلوح في الافق حيال انجازاته الاقتصادية. فالحرب النفطية المستعرة بين روسيا والسعودية، والتي يبدو انها آيلة لأن تستمر على الاقل بضعة أشهر، وضعت الشركات النفطية الاميركية صاحبة التأثير الداخلي القوي في وضع صعب.

 

وتمدّد كورونا السريع في الولايات المتحدة الاميركية وَجّه ضربة قاسية للاقتصاد، ما دفع بترامب لمهاجمة رئيس الاحتياط الفدرالي جيروم باول مطالباً إيّاه باتخاذ الاجراءات الكفيلة بوقف انهيار البورصات. وجاء قراره بحظر دخول 26 دولة اوروبية بداية ليزيد من الوجع الاقتصادي. فأبدَت عواصم هذه الدول، وخصوصاً باريس، سخطها الشديد أولاً بسبب استثناء كل من بريطانيا وايرلندا، ما فُسّر بأنه قرار عنصري وبمثابة مكافأة لهما على خروجهما من الاتحاد الاوروبي قبل ان يضطر ترامب للعودة عن استثنائه. وثانياً لأنه اتخذ القرار من دون التشاور مع حكومات الدول المعنية، وتم تنفيذه في أقل من 48 ساعة ما تَسبّب بفوضى عارمة في المطارات ولدى شركات الطيران. واعتبر الأوروبيون انّ كورونا أعطت ترامب الذريعة لتحقيق حلمه بعزل اوروبا، ولهذه الدول جاليات كبيرة في الداخل الاميركي.

 

وسط كل ذلك كان لا بد لإدارة ترامب من البحث عن بديل لنقل أنظار الاميركيين إليه. فجاء استهداف قاعدة التاجي في العراق لتشكّل بالنسبة الى ترامب المخرج الانقاذي المطلوب. ووفق معلومات ديبلوماسية فإنّ ادارة ترامب أعطَت البنتاغون الضوء الاخضر لإنجاز ضربة انتقامية يكون دويّها كبيراً. التسخين المطلوب لن يعني ابداً الانزلاق الى الحرب بدليل إقرار مجلس النواب الاميركي، والذي يسيطر عليه الديموقراطيون، تشريعاً يقيّد قدرة الرئيس الاميركي على شن حرب على إيران.

 

وفي خطوة مفاجئة، عمدت واشنطن لإرسال قوة أمنية من الفرقة مئة وواحد المحمولة جواً، والمتخصّصة بالعمليات الهجومية الصاعقة الى العراق.

 

وجرى إرسال هذه القوة من القاعدة الاميركية في قطر، وهذه القوة هي الفرقة الجوية الوحيدة في العالم التي تمتلك القدرة على نشر الآلاف بسرعة وعلى مسافات واسعة. وكان قائد المنطقة الوسطى الاميركية في الجيش الاميركي الجنرال ماكينزي قد أبدى اعتقاده بأنّ يأس الايرانيين من تفشّي «كورونا» سيجعلهم اكثر خطورة في المنطقة. في الواقع فإنّ ماكينزي يمهّد للضربة الاميركية.

 

وفي الوقت نفسه، كان التحالف الدولي العامل في سوريا بقيادة الجيش الاميركي، يجري مناورة عسكرية في محيط حقل نفطي في دير الزور حيث توجد قاعدة عسكرية أميركية.

 

وهو ما يعني انّ السياسة الاميركية ستبقى متشددة، وربما ستزيد تجاه لبنان أيضاً. وهنا المشكلة وهنا السؤال. ذلك انّ لبنان الذي يعاني أصلاً من إمكانيات متواضعة في مواجهة وباء بهذه الخطورة، بَدت حكومته مُربكة وغير حاسمة في اتخاذ القرارات السريعة في أوّل اختبار تحدٍ لها.

 

ولا مجال لذكر الاسباب الآن، إلّا أنّ افتقاد معظم الوزراء للخبرة وللحماية السياسية ساهَم في إعطاء صورة ضعيفة للسلطة التنفيذية في لبنان.

 

وبالتالي، إذا ما حَتّم الوضع الانتخابي المحشور للرئيس الاميركي، تسخين الاوضاع اكثر من الشرق الاوسط، فإنّ الساحة اللبنانية لا بد ان تتأثر، وهو ما سيزيد من درجة المخاطر التي أصبحت تتراوح ما بين النقدي والاقتصادي والحياتي والصحي.