في ما يلي النصّ الكامل لتقرير لجنة المال والموازنة حول مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2020 الذي تلاه رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان في مستهلّ جلسة مناقشة الموازنة:
بين مستندات مشروع موازنة العام 2020 الموزع عليكم تقرير مفصّل عن هذا المشروع يتناول كل ما تضمنه من مواد قانونية، وتقدير للواردات، وتخصيص للاعتمادات، وما أجرته لجنة المال والموازنة على كل منها من تعديل وإلغاء وإضافة.
ولن أتلوه حرفيا” عليكم كما درجت العادة إذ يمكن لمن يرغب في معرفة ما أجري بالتفصيل، إن لم يكن قد فعل ذلك، أن يعود إلى هذا التقرير، فيجده في صفحاته الإثنتين والعشرين.
دولة الرئيس،
لبنان اليوم على مفترق مصيري على صعيد الوضع المالي برمته يتطلب من الجميع اخراج هذا الملف كلياً من دائرة التجاذبات السياسية وتسجيل المواقف الى العناية الفائقة والمقاربات العلمية والجدية المسؤولة توصلنا الى خطة انقاذية فعلية وقابلة للتنفيذ بالتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وبالعودة الى الموازنة، فنحن أمام مشروع أعدّ قبل السابع عشر من تشرين الأول 2019 وشكّل الى حدّ ما بداية انتقال جدي من نهج كلاسيكي قائم على تأجيل الاصلاحات البنيوية المطلوبة والتخلف عن اجراء المسح الشامل لنفقات الدولة التشغيلية والاستثمارية كما للقطاع العام على مستوى التوظيف والتعاقد وغيرها من التسميات المبتكرة خارج اطار القانون كانت لجنة المال والموازنة قد كشفتها في تقرير مفصل وموثق، وهو ما يتكرر منذ سنوات، الى انطلاقة، وان خجولة، لهذا المسار الاصلاحي عملنا ومازلنا في المجلس النيابي، لكي يصار إلى اعتماده من قبل الحكومات المتعاقبة.
ولكن أحداث السابع عشر من تشرين الأول 2019 وانعكاساتها بدلت كثيراً بتوقعات وتقديرات مشروع الحكومة، فجاء تقدير واردات الموازنة العامة فيه بمبلغ /19.815/ مليار ليرة، أي بما يفوق تقدير نفقاتها بمبلغ /933/ مليار ليرة. ولولا سلفة خزينة بقيمة /1.500/ مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان لأمكننا القول إننا لن نضطر إلى الاقتراض خلال العام 2020.
إلا أن واقع الحال تغير كلياً بعد السابع عشر من تشرين الأول:
1- فتقدير نفقات الموازنة عالج شكلياً مبلغ /5.000/ مليار ليرة بالتفاهم مع مصرف لبنان وجمعية المصارف ينتهي مفعوله بانتهاء العام 2020، ليعود هذا المبلغ فيظهر في مشروع موازنة العام 2021.
2- وتقدير الواردات انخفض – حسب تقدير وزارة المال في اللجنة – إلى /13.325/ مليار ليرة، أي بنقص يبلغ /6.491/ ليرة.
3- وهذه الواردات المعاد تقديرها لا تكفي حتى لتغطية أربعة أنواع من النفقات الحتمية البالغ مجموعها /14.454/ مليار ليرة وهي:
– الرواتب والأجور
– المنافع الاجتماعية
– خدمة الدين العام
– المساهمة للرواتب والأجور في المؤسسات العامة
4- والتفاهم مع مصرف لبنان وجمعية المصارف حصل قبل السابع عشر من تشرين الأول، إذ في حال عدم الالتزام بهذا التفاهم، كان العجز سيرتفع إلى أكثر من /12.000/ مليار ليرة.
أمام هذا الواقع، كانت لجنة المال والموازنة أمام خيارين:
1- إما الانكفاء، وبالتالي اقتراح رد مشروع الموازنة لإعادة النظر به من قبل الحكومة الجديدة، أو حتى من قبل حكومة تصريف الأعمال.
2- وإما القيام بدور استثنائي ومسؤول على هذا الصعيد، لاسيما في ضوء استقالة الحكومة ودخول لبنان في نفق تصريف الأعمال ما يعني استحالة إعادة النظر بمشروع موازنة.
ولم يكن اتخاذ القرار سهلاً، لأن أمرين تشريعيين لا يمكن للمجلس النيابي أن يبادر إلى اقتراحهما هما الموازنة والحسابات المالية، ولأن بعض المسؤولين في السلطة التنفيذية والادارة بما فيها عدد من المؤسسات العامة مازالوا غير مقتنعين بضرورة اعتماد سياسة التقشف وشد الأحزمة.
إلا أن لجنة المال والموازنة، على جاري عادتها منذ العام 2010 في التصدي لعدة قضايا أبرزها مشاريع الموازنات والحسابات المالية والتوظيف المخالف للقانون وترشيد الإنفاق وترشيق الإدارة ووضع الموازنات على أساس خطة عامة وخطط تفصيلية الخ … قاربت مشروع موازنة العام 2020 على أربعة محاور:
1- أولها، الطلب من وزارة المالية وضع تقدير واقعي بعد 17 ت1 عن الواردات المرتقبة خلال العام 2020.
2- وثانيها، التأكد من استمرار الالتزام بالتفاهم الحاصل مع مصرف لبنان وجمعية المصارف.
3- وثالثها، العمل على إجراء تخفيض على الاعتمادات المقدرة في مشروع الموازنة.
4- ورابعها ، إضافة عدد من المواد القانونية الاستثنائية على مشروع الموازنة تندرج في قسمين : الأول اصلاحي بنيوي يحمي المال العام ويعزز الرقابة على الانفاق، والثاني اجتماعي استثنائي يعالج تداعيات الأزمة على عامة المواطنين.
فكان أن وضعت وزارة المالية تقديراً جديداً للواردات المرتقبة فبلغ /13.325/ مليار ليرة كما سبقت الإشارة.
وعقدت اللجنة جلسة بحضور حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، تمّ التأكيد أثناءها على الالتزام بالتفاهمات الواردة في المشروع، مع الاشارة الى قلق عبرت عنه جمعية المصارف يتعلق بقدرتها على الالتزام بالجزء المتعلق بها بسبب الظروف المستجدة.
ووضعت اللجنة اقتراحاً لتخفيض مبلغ /984/ مليار ليرة، استقر نهائياً بعد الأخذ بملاحظات وزارة المال على /720/ مليار ليرة.
وقد سئلنا وتساءلنا وتناقشنا مرارا”عما إذا كان هذا الخيار – أي متابعة درس هذا المشروع بالرغم من التغيرات الحاصلة مقارنة مع المخاطرة برده – هو الأفضل وفي ظلّ الظروف الاستثنائية جداً التي نمرّ بها، فلم نتردد في الإجابة بأنه خيار عملي ومسؤول:
– فهو يندرج ضمن نطاق استمرار انتظام نظام الموازنة (2017 الى اليوم) ،
– وهو أفضل من فوضى الإنفاق وفق القاعدة الاثنتي عشرية على أساس اعتمادات موازنة العام 2019،
– واعتماده مضمون النتيجة خلافاً لخيار إعادة مشروع الموازنة إلى الحكومة (حكومة لم تؤلف بعد، وفي حال تأليفها، هي بحاجة إلى وقت طويل لكي تتمكن من إعادة وضع المشروع، وحكومة تصريف الأعمال).
– وهو يندرج ضمن نطاق صلاحية لجنة المال والموازنة والمجلس النيابي في إعادة النظر بتخصيص الاعتمادات بشرط عدم زيادة القيمة الإجمالية لمشروع الموازنة.
– كونه أكثر واقعية ومنسجماً احتياجات المرحلة.
وهنا لا بد من التذكير بأن المالية العامة لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال:
– فالواردات المعاد تقديرها قد لا تكون واقعية أيضاً في ضوء الانكماش الاقتصادي وربما عدم القدرة على التسديد من جراء الإجراءات المصرفية المعتمدة في توفير السيولة لعملائها، حتى بالليرة اللبنانية.
– والتفاهم مع مصرف لبنان وجمعية المصارف أجرى عملية تجميلية مؤقتة للنفقات ينتهي مفعولها بعد سنة.
– والإجراءات المعتمدة في تقسيط تعويضات الصرف على مدى ثلاث سنوات هو من قبيل الهروب إلى الأمام.
– ووقف التوظيف لم يحد من التحايل عليه عن طريق بدلات الأتعاب والدراسات، ولم يصل إلى حد صرف أي شخص من أصل/5.000/ تم توظيفهم خلافاً لأحكام القانون.
– وترشيد الإنفاق مازال من التوصيات والأمنيات، إذ أن مسؤولينا يفتقرون إلى ثقافة ترشيد الإنفاق وشد الأحزمة.
كما لا يمكن الاستمرار في التعامي عن الهدر من جراء عدم حل مشكلة الكهرباء منذ العام 2011 مهما كانت الأسباب، ولا عن التلزيمات بآلاف المليارات من الليرات في مجالات الطرق والصرف الصحي، وإذا بالوقائع تكشف أن التنفيذ غير سليم وبأن من كلف بالمراقبة ربما تواطأ مع المتعهد على حساب المال العام.
ولا يمكن الاستمرار في تجاهل حل مسألة الحسابات المالية لأنها الطريق الوحيد لمعرفة مدى الالتزام بإجازتي الجباية والأنفاق ولإبراء الذمة.
ولا يمكن أيضاً التغاضي عن عدم وضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص موضع التنفيذ.
ولا يمكن الاستمرار باعتماد سياسة الفوائد المرتفعة بهدف استقطاب الودائع المصرفية لأن هذه السياسة ستجعل وارداتنا الذاتية عاجزة حتى عن تغطية خدمة الدين العام، التي يتوقع، في ضوء أسعار الفوائد الحالية، أن تصل إلى حوالي /12/ ألف مليار ليرة عام 2021.
إن كل ما تقدم، لا سيما الحلول التي نقترح، شكل مضمون التوصيات المرفقة مع تقرير اللجنة والتي يمكن اختصار عناوينها بالآتي:
1- إقرار موازنة 2020 ضمن المهلة الدستورية لأول مرة منذ سنوات.
2- التقيد بسقف الاعتمادات وتطبيق الاصلاحات الواردة فيها وفي التوصيات.
3- وضع خطة حكومية إنقاذية محورها الأساسي معالجة عجز الكهرباء من خلال احترام القوانين وقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة، كما معالجة الوضع المصرفي من خلال تصورعصري متكامل يستعيد الثقة بهذا القطاع من جهة مع ما يعني ذلك من تخفيض للفوائد ويضع الإجراءات المصرفية تحت سقف قانون النقد والتسليف والتشريعات ذات الصلة، كما اضطلاع الحكومة بدورها في تحديد السياسات المالية بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية والإسكانية والصناعية والزراعية من خلال رؤية اقتصادية شاملة من جهة أخرى.
4- وضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص موضع التنفيذ.
5- إنشاء الحكومة الإلكترونية، وإنهاء المسح الشامل للإدارة بهدف إعادة الهيكلة وفق حاجات المرحلة بعيداً عن الاعتبارات الطائفية والحزبية والانتخابية.
6- إقرار منظومة اقتراحات القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد من استرداد للأموال المنهوبة ورفع الحصانات والسرية المصرفية والمحكمة الخاصة للجرائم المالية في إطار واحد ومنسق محوره قانون الإثراء غير المشروع.
دولة الرئيس
أيها الزملاء
نحن في أزمة مالية بنيوية، وعلينا الاعتراف بذلك أولاً والعمل الجدي على المعالجة ثانياً.
كفانا دفناً للرؤوس في الرمال، فهذه سياسة لا تبني أوطاناً.
لقد حاولنا بتصدينا لمشروع موازنة العام 2020 بالدرس والتعديل والإضافة أن ننير شمعة في سبيل معالجة الأزمة، إلا أن عملنا هذا لا يكفي ما لم يستتبع بخطة عاجلة للخروج من الأزمة وبلوغ بر الأمان.
وهذه مسؤولية الحكومة مع استعدادنا للتعاون المطلق و… المحاسبة.