يقوم الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، بزيارة للبنان يوم الثلاثاء المقبل. هي زيارة «ليست للسياسة»، كما وصفها الديبلوماسي المصري المخضرم. لكن السياسة تطارده، وهو أحد أبرز أقطاب المعارضة لحكم «الإخوان المسلمين» في مصر، أينما حل، والملفات التي يمكن مناقشتها معه في الشأن العربي العام، والشأن المصري الخاص، مكتظة، ومليئة بالتفاصيل والآراء التي يقف وراءها تاريخ طويل من العمل الديبلوماسي امتد لأكثر من 40 عاماً. السفير التقته في القاهرة وأجرت معه هذا الحوار.

÷ وأنت تزور لبنان يوم السابع من أيار، كيف ترى تأثير الأزمة السورية على لبنان؟

} أي تطور يحدث في سوريا يؤثر في لبنان، والعكس صحيح مع اختلاف درجة التأثير، ولعلّي أرى في السياسة التي اتبعها الرئيس نجيب الميقاتي بالنأي عن النفس رسالة مهمة وتهدف إلى تجنب الاثار الخطيرة للأزمة.

÷ كيف تقرأ التقارير التي تتحدث عن مشاركة حزب الله إلى جانب قوات النظام السوري في الحرب الدائرة هناك؟ وهل على أجندة تواجدك في لبنان لقاء قيادات في «حزب الله»؟

} الأزمة السورية لها تداعيات وأدوار معينة لا يمكن تجاهلها مثل دور «حزب الله» وقوته وارتباطاته ودور ايران ودول أخرى، وهي يجب أن تأخذ في الحسبان قبولا أو رفضاً. ولقائي بأحد قيادات «حزب الله» محتمل لكنه ليس في البرنامج، خاصة أن زيارتي إلى لبنان ليست في إطار مهمة سياسية.

÷ ما هو رد فعلك لو كنت لا تزال في منصبك كأمين عام لجامعة الدول العربية، وأنت ترى وفد المعارضة السورية يجلس على مقعد سوريا في القمة العربية الأخيرة في الدوحة؟

} ما حدث في القمة هو نتيجة تطورات عربية أدت إلى هذا، لكن عن نفسي فقد كنت أفضل «الكرسي الخالي». في كل الأحوال فإن الأزمة السورية، بحاجة إلى إعادة النظر في تعريفها، فهل هي أزمة داخلية خاصة بالصراع بين الثوار والنظام؟ أم أنها أزمة إنسانية لها علاقة بالنازحين؟ أم صدام خاص بالتسلح للطرفين؟ في رأيي أن التسمية الأنسب هي «المسألة السورية»، لأن لها علاقة برسم الخريطة للمنطقة المعروفة باسم الهلال الخصيب، او سوريا الكبرى والامر أكثر استراتيجية مما يطرح، وأثاره أوسع مدى من التفاوض بين الحكم والمعارضة. تعريف القضية في رأيي كان مخطئاً منذ البداية. في بدايات المسألة السورية هذه كنت في بيروت، وسألني أحد الساسة اللبنانيين البارزين عن رأيي في ما يحدث، فقلت له هذه مشكلة سوف تدوّل خلال وقت قصير، فسوريا ليست حدودها فقط، وسيتأثر بسبب ما يحدث فيها، لبنان، والأردن، والعراق، وتركيا، والمسألة الكردية والقضية الفلسطينية، وسيطال الحديث الشيعة والسنة، وعليه المسألة ستكبر ولا يمكن النظر إلى الأمر بوصفه ربيعاً عربياً تقليدياً مثلما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن. سوريا وضعها عربياً وإقليمياً وحدودياً ونفسياً حساس، والموضوع ادخل المنطقة كلها في إعادة ترتيب اوضاع دول كثيرة، وربما تيارات كثيرة، وربما قضايا كثيرة، ومسائل حدودية لها علاقة بالتماس في الحدود التركية الإيرانية العربية.

÷ هل يمكن أن نطلق على ما يحدث في سوريا إذاً وصف «حرب بالإنابة»؟

} هذا تعبير تقليدي. الظروف المتغيرة في المنطقة هي التي أفرزت ما نراه، للأسف سوريا كدولة لم تقرأ التطورات بطريقة صحيحة، فما حدث في مصر وتونس كان لا بد أن يحدث في سوريا بنفس المنطلق ولكن ليس بالضرورة بذات النمط. ومفاتيح حل الأزمة دولية وإقليمية، ومن الضروري أن يكون عربيا، وهو بالقطع ليس مجرد حل إنساني أو أمني فقط.

÷ هل يخدم دور قطر في حل الأزمة أو المسألة السورية أم يؤججها؟

} هناك دور قطري متصاعد لعناصر القوة اللينة التي تملكها الدوحة. الخليج وعلى رأسه السعودية أيضا له دور في المتابعة وربما الحل. وهذا جزء مع لاعبين آخرين، هناك قوى أكبر وأخطر وأكثر قدرة على المناورة، وهذه القوى هي التي ستصوغ نهاية المسألة السورية. الدور القطري لا يساهم في حلها أو تأجيجها. عندما تعاد رسم الخريطة فهذا عمل قوى كبرى، أخشى عندما يأتي وقت رسم الخريطة، ان تستبعد مصالح الدول العربية كلها، لكن وجود الدول العربية على الأقل يجعل هناك إمكانية للتعامل مع هذا التغير. ما يؤسفني هو أن مصر هي الغائبة، ومصر يجب أن تكون موجودة، لأن المعادلة العربية والإقليمية والشرق أوسطية، لن تكتمل أبدا، ولن يصل أطرافها إلى شاطئ من دون مصر. مع الأسف مصر اليوم في موقف ضعيف ومضطرب لا يمكنها من القيام بأي دور إقليمي.

÷ بماذا تفسر غياب مصر... هل للأمر علاقة بانتماءات الرئيس محمد مرسي، أم لضعف الحالة المصرية بشكل عام؟

} دعك من الأسماء. نحن نتحدث عن مصر كدولة وكيان كبير، وهذا الضعف لم يبدأ اليوم، لكنه بدأ مع بداية القرن الحادي والعشرين، مع اتباع سياسة «تجنب المشاكل»، وهذه المنطقة مليئة بالمشكلات، ولا يمكن تجنبها، ومنذ هذا الوقت بدأ انكماش الدور المصري وهو مستمر بل متصاعد الآن.

÷ لماذا يبدو رد الفعل الأميركي على المسألة السورية مرتبكا؟

} لأن الأميركيين وغيرهم قرأوا الأمر في بدايته على أن هناك ثورة على النظم الديكتاتورية والجمود، وهو بدأ في سوريا هكذا فعلا، وأرى أن الأميركيين لم يتنبهوا في البداية للأبعاد الاستراتيجية الأخرى التي لم تكن واضحة في تلك المرحلة.

÷ ولماذا شهدت المنطقة هذه التحركات الشعبية في هذا الوقت المتزامن؟

} لأن الناس تريد أن تعيش القرن الحادي والعشرين، وهناك قوى تجذب للخلف، والمعادلة الآن أن تعيش القرن الحادي والعشرين وان تحافظ على التراث في ذات الوقت. التغيير حاصل بالفعل وليس قادماً. وهذا التغيير سيسير في طريقه، وفي حركة هذا التغيير، هناك محطات استراتيجية مثل سوريا، ومحطات مصيرية مثل مصر. الرسالة هنا أنه لا يوجد «يو تيرن» (نصف استدارة). القطار تحرك. يمكن أن يلتقي جبالا أو بحيرات في طريقه لكنه مستمر.

÷ هل هناك حد زمني في رأيك لنهاية أزمة المسألة السورية؟

} هناك من يحاول أن يضع حدا زمنيا مع الانتخابات الرئاسية السورية في العام 2014. وهناك من يعتقد بأنها مسألة شهور. والمسؤولون الغربيون كانوا دوما يقولون أن الأزمة ستحل خلال أشهر ولم يحدث ذلك. الأخطر برأيي هو التغيير الجذري والتيارات والمصالح المتصادمة الكثيرة، خاصة تلك المتعلقة بمصالح الدول الكبرى. يصعب تحديد إطار زمني، لكني اتصور أن المدى سيكون قصيرا وليس طويلا، خصوصا أنه في بعض المعاني، فإن النزاع العربي الإسرائيلي لن يكون بعيدا عن الإطار العام لترتيب المنطقة. أقول هذا، وعلي أن أسجل أن ما يحدث في سوريا صعب على أي إنسان، ثم على إنسان عربي. صعب أن يشاهد هذه الدمار، والضحايا الكثر، والنزوح الكبير للاجئين، وقد تجاوزوا المليون سوري. هذا وضع مؤسف.

÷ بخصوص الوضع في مصر، قلت في تصريحات لك أن «الإخوان» يعانون من جنون الاضطهاد ويحاولون الانتقام من القضاة. لماذا؟

} الصدام بين أي سلطتين في الدولة، مسألة خطيرة جدا، ولا يصح لأي حكم أن يتبع سياسات تؤدي إلى ذلك، ويدهشني كثيرا أن تأتي خطوة من جانب الحكم، تؤدي إلى توتر بين سلطتين في الدولة. قل على البواعث ما تريد، وحللها كما تريد، لكني أقول أنه في دولة مثل مصر، وفي وضعها المتوتر المضطرب الحالي، لم يكن يصح أبدا أن تدفع الأمور لإضافة توتر إلى التوتر، بين السلطتين القضائية والتنفيذية. الجو العام جو صادم، عندما تفكر في الأسلوب المتبع تجد ان قانون السلطة القضائية يؤدي إلى طرد أكثر من ثلاثة آلاف قاض، لتحل بدلا منهم مجموعة أخرى لم تكن أبدا جالسة على منصة القضاء، هذا بحد ذاته يؤدي إلى اهتزاز القضاء، والمسألة هنا لا تتعلق فقط بالقضاة، وإنما تتعلق بحقوق المواطنين. قانون السلطة القضائية خلق حالة خوف لدى الرأي العام، لأنه ليس حركة تطهير كما يقولون وهو مصطلح سخيف بالمناسبة، وإنما استبعاد لثلث القضاة من عملهم. وعليه فإن هذا القانون يهز بنيان القضاء في مصر، وقد زاد من علامات الاستفهام عن مدى حكمة من يديرون الأمور.

÷ هل الصدام هذا ناتج من قلة خبرة، أم أنه جاء في إطار جس نبض الرأي العام والعالم الخارجي؟

} بصرف النظر عن الأسباب، السياسات والممارسات تؤدي الى اضطراب واضح. المسألة ليست من مع ومن ضد، المسألة في وجود اضطراب في البلد. المفترض على الموجودين في كراسي الحكم أن يكونوا حذرين في إثارة المخاوف والإضطراب.

÷ جلست مع الرئيس مرسي ذات مرة بعد انتخابه، فما انطباعك عنه؟

} نعم، جلست معه وهو الرئيس المنتخب الشرعي إنما الاختلاف معه يتعلق بالسياسات وطريقة علاج مشاكل مصر وأهداف جماعة الإخوان المسلمين ما أدى الى هذا الاضطراب الكبير، وأنا كمواطن وسياسي ومعارض، أرى أن استمرار الاضطراب في مصر، سيؤثر عليها سلباً، ويزيد من الوقت الذي نحتاجه لإعادة بناء البلد.

÷ بوصفك عضوا بارزا في جبهة الانقاذ المعارضة، لماذا يبدو أن هناك خلافا أساسيا بينكم في أمر خوض الانتخابات تحت حكم «الإخوان»؟

} أولا، في ما يتعلق بالانتخابات لم يتحدد القرار بعد، وإجراء الانتخابات أمامها وقت بالأساس، لكن القرار بمقاطعة الانتخابات البرلمانية مرتبط بتلك التي كان من المفترض إجراؤها في الشهر الماضي لكن ألغيت بحكم قضائي. أما موقفنا من الانتخابات المقبلة فلم يتحدد بعد وسوف يتحدد على أساس ما نراه تحقق من وجود ضمانات نطالب بها، مثل حياد السلطة، وقانون انتخابات قائم على التوافق والتفاهم بين القوى السياسية، وإشراف قضائي مباشر، ومتابعة دولية، وحماية عملية الانتخابات بصورة واضحة تمنع حدوث أي تلاعب. على حد علمي، هناك مفاوضات رسمية جرت مع الاتحاد الأوروبي وغيره في ما يتعلق بالمتابعة الدولية للانتخابات، لكن حتى الآن إذا تمت إدارة الانتخابات بنفس التركيبة التي نعيشها حاليا ستكون هناك الكثير من علامات الاستفهام. ثانيا جبهة الانقاذ تشمل عددا كبيرا من الأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهو ما يؤدي إلى عدم الاتفاق والاختلاف في بعض الأحيان وهو شيء صحي وطبيعي. طبعا «جبهة الانقاذ» ليست في أفضل أحوالها الآن، لكن المهم أننا لن نهز «جبهة الانقاذ». تستطيع أن تنقد جبهة الانقاذ كما تريد، لكن في كل الأحوال المعارضة جزء من النظام الديموقراطي، ويجب أن تحترم، ويستمع إليها لأنها تمثل نصف الشعب. المواطنون المصريون غير مرتاحين، وبلغة غير دبلوماسية، أقول نحن غاضبون لأننا نرى مصر تتراجع. بالأمس كنت في مؤتمر شعبي في محافظة الشرقية، واستمعت إلى الفلاحين، وتحدث معي واحد منهم من محافظة البحيرة وأيده كثيرون قائلا «لم يعد لدينا ما نخسره... الجوع يهاجمنا»، وهذه شكوى عامة. الكل يشكو وبخاصة الجبهة العريضة من غير القادرين، وهذا يثير الغضب، أو على الاقل يثير القلق. وعندما ترى إلى جانب ذلك أن مصر الكبيرة جدا منذ زمن محمد علي مرورا بكل كبار الوطنيين مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس وعبد الناصر والسادات، والذين قادوا مصر في ظروف صعبة يكون حالها هذا هو حالها الآن، الجمود ثم سوء الإدارة. عصر الرئيس السابق حسني مبارك في أوله كان واعدا، وفي آخره لم يكن على مستوى التوقعات ولا التحديات، وهذا العصر ورث إرثا صعباً لكنه لم يتعامل معه بجدية. نحن بعد الثورة كنا متوجهين للجمهورية الثانية والتي تطرح طرحا مختلفا، لتعيد بناء مصر، والآمال كانت كبيرة جدا، استنادا إلى أن «اللي فات مات»، ولكن لم يحدث شيء، فالفقير لايزال فقيرا، والمريض لايزال مريضا، فحدثت صدمة نفسية وسياسية لكل المصريين. الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي ما زال سيئاً، ولا يوجد وضع واحد في مصر يمكن القول أنه أصبح أفضل.

÷ هل ترى ان الحل يكمن إذن في انتخابات رئاسية مبكرة؟

} الكل يتحدث عن انتخابات رئاسية مبكرة، وبعضهم من داخل التيار الإسلامي، إنما أنا أرى صعوبة في ذلك، لأن البلد لا تتحمل انتخابات رئاسية أو برلمانية جديدة، وان كانت المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة تتصاعد. طالبت ولا زلت أطالب بحكومة ائتلافية لمدة عام لا تجرى فيه أي انتخابات، على أن تضع هذه الحكومة الملف الاقتصادي على رأس أولوياتها. السكان في مصر عددهم يزيد سنويا 1.8 مليون نسمة، أي أننا سنصل إلى 100 مليون نسمة خلال أقل من 10 سنوات، فماذا أعددنا لذلك؟ لا نتحدث عن أوهام مثل الخلافة الإسلامية، وأنت غير منشغل بحقوق الملايين في التعليم والحصول على غذاء، يجب علينا أن نحسن الحالة الاقتصادية أولا ومنها نحقق العدالة الاجتماعية ثم الأمن، وبكل هذا تتكون لدينا سياسة خارجية محترمة أقليمية، لكننا نضيع أنفسنا في كلام فارغ واوهام، فهل يمكن أن يكون هناك أي شكل من أشكال الحكم الإقليمي من دون أن تكون مصر في قلبه، لكن كيف تتحدث عن ذلك وأنت غائب؟

÷ كيف ترى السياسة الخارجية لمصر، والترويج على سبيل المثال للانضمام إلى تجمع البريكس الاقتصادي؟ وهو ما يفسر به أنصار الرئيس مرسي زيارته إلى الهند والصين وروسيا؟

} يجب أولا أن نفهم البريكس قبل الحديث عنها وبخاصة أنها ليست منظمة حتى يمكن الانضمام إليها. البريكس هي تجمع لخمس دول (روسيا ـ الصين ـ الهند ـ البرازيل ـ جنوب إفريقيا)، وهذه الدول اصبحت في ذاتها كتلة متقدمة اقتصادية تناطح الاقتصاديات المتقدمة. يجب أن تصل أولا إلى مستوى الرشد الاقتصادي ومن ثم يكون لك دور في الحركة السياسية العالمية حتى تطالب هذه الدول بأن تنضم إليها. البريكس ليست الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو جمعية يمكن الانضمام إليها بتقديم طلب. ولذلك أندهش جدا من الحديث عن أن مصر ستطلب الانضمام إلى البريكس.

÷ كيف تقيّم تحركات الرئيس مرسي في الخارج وشكل العلاقة بين «الإخوان» وأميركا؟

} أنا لا اعتبر ان لمصر سياسة خارجية الآن، وإنما نبضات ضعيفة. لا يوجد خط سياسي واضح ومعين. وعليه يمكن أن نتساءل مثلا ماهو تصور مصر عن الوضع في القرن الإفريقي القريب من الحدود المائية المصرية؟ ما التصور عن الأزمة الفلسطينية والعلاقات العربية ـ الإسرائيلية؟ وعلاقة إيران بمشاكل المنطقة؟ أرجو أن أرى لمصر سياسة خارجية قريبا.

÷ هناك من يحلل انطلاقاً مما يراه البعض دعما أميركيا للإخوان في مصر، بأن أميركا كانت تريد وصول الجماعة للحكم، لترى أداءهم عمليا، ولتمنع تصدير العنف من المنطقة.. هل تعتقد هذا فعلا؟

} التأثير الأميركي واضح في كل دول العالم سلبا وإيجابا لأنها الدولة العظمى الأولى. إنما هذا التأثير إذا أدير بحنكة من الطرف الأخر يمكن تمريره. ويمكن أن تعارض وتختلف معهم، والتاريخ المصري مليء بأمثلة كثيرة على ذلك لا يتسع لها الحديث. ضروري أن نحافظ على علاقة قوية ومتينة، لكنها في ذات الوقت يجب أن تكون علاقة صحيحة وصحية ولهذا أساليبه وإمكاناته. المؤرخون والسياسيون يتكلمون عن مراحل في تاريخ الدول، هناك مرحلة نشوء الدول بعد انتهاء الاستعمار وهي المرحلة التي استمرت حتى الخمسينيات من القرن الماضي، وانتهت بالانقلابات العسكرية في النصف الثاني من القرن العشرين، ثم بتحالف التيارات الإسلامية مع القوى الغربية العظمى وقت الوجود الروسي في أفغانستان، وهو التحالف الذي انتهى بموجة الإرهاب الكبرى في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، ودفع أميركا للتساؤل لماذا لا نعطي للإسلاميين المعتدلين الفرصة ليقفوا في وجه المتطرفين الإسلاميين ونرى النتيجة. والمثال الأبرز في الاعتدال والتقدم هو تركيا. وعليه يمكن فعلا التصور أن تكون أميركا أرادت وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر وغيرها في هذا الإطار، ولكننا في القرن الواحد والعشرين ويجدر التنبيه على الجميع بمن فيهم أميركا ان السيطرة والهيمنة بالشكل التقليدي لم يصبح لهما مكان ولا مكانة، فيقظة الشعوب وثوراتها كما حدث في مصر وتونس مثلا لن تقبل بالهيمنة او السيطرة الخارجية على مقدراتهما ولكن يمكن القبول بالتعاون والتفاهم والاشتراك في المصالح مع عدم المساس بكرامة الشعب او برغيفه.

÷ نشاطك الداخلي في مصر يبدو لافتا. تترأس «حزب المؤتمر»، وتتحرك في مؤتمرات شعبية، لكن هناك من ينظر إلى حزبك باعتباره يضم رموزا من الحزب الوطني الذي قامت ضده الثورة؟

} لسنا مناورين. نحن معارضة وطنية. ولدينا توجه مصري أساسي، قائم على أنه حزب مفتوح لكل الوطنيين. حزب المؤتمر للجميع بمن فيهم من كانوا أعضاء في الحزب الوطني ممن لم يتورطوا في فساد أو يتعرضوا للمحاكمات، أو وجهت لهم اتهامات، أو فقدوا شعبيتهم، لو تمعن النظر في الخريطة السياسية، ستجد أعضاء الحزب الوطني موجودين في كل الأحزاب بما فيها «حزب الحرية والعدالة» الإخواني، من بين ممثلي «حزب الحرية والعدالة» في مجلس الشورى (الغرفة البرلمانية الثانية) نواب سابقون في الحزب الوطني.

÷ كيف تنظر إلى شعور البعض بالندم على الثورة؟

} لا يصح المساس بالثورة وأهدافها وأسبابها، إنما هناك من يعمل وبنجاح كبير على المساس بالثورة والانحراف بأهدافها واعطائها لونا دينيا لم يكن لها حين قامت أما الاضطراب الحالي فهو نتيجة طبيعية لما نعيشه الآن. وهنا رسالة قوية جدا للنظام القائم الذي يجدر به ان يحترم كل الناس والعمل على صيانة المصالح المصرية وليس فئة واحدة من بينهم، والحقيقة أن الناس في مصر «كفرانة» من دون حاجة ان يكفرهم احد.

÷ رافقت الرئيس السابق حسني مبارك 10 سنوات كوزير للخارجية، وقابلته بوصفك أمينا عاما لجامعة الدول العربية لعشر سنوات أخرى.. كيف كنت تشعر حينما تراه خلف القضبان؟

} من الناحية الإنسانية التي يجدر ان تؤخذ في الاعتبار فإني أشعر بأنه عزيز قوم حدث له هذا. أما من الناحية التاريخية فهذا تطور تاريخي. عهد انتهى. وما دام الرئيس السابق في يد القضاء فهو في أيد أمينة لها أن تحكم له أو عليه.

÷ متى التقيته آخر مرة؟ وهل تحدثت معه خلال أيام الثورة الثمانية عشر؟

} آخر لقاء مع الرئيس السابق كان يوم 19 كانون الثاني العام 2011 في القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ، ويومها وقفت قائلا إن ثورة تونس ليست بعيدة عن هنا، وقلت إن النفس العربية منكسرة، لثلاث مرات أمام كل الرؤساء والملوك.

÷ هل تنوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة سواء أجريت في وقت مبكر، أو في موعدها المحدد في العام 2016؟

} لا أنوي الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.

÷ الا تنوي كتابة مذكراتك؟

} سأكتبها إن شاء الله. أفكر كيف اعطي لنفسي الوقت لكتابتها. لأنها ستتضمن آراء وتسجيلات عن أوضاع سابقة وقائمة.