تقول هال آر من نيويورك "بينما كنت أتجوّل في أرجاء الحي، لمحت فتاة مراهقة في جدال مع والدها، بدت لي أنها في 15 من عمرها ورأيت فيها ملامح مراهقة متمردة ومتهورة. أثناء سيرها خلفه، ركلت الفتاة والدها فاستجاب الأب برمي فنجانه بالكامل من القهوة على وجهها، لترد عليه بسلسلة شتائم.
 
فخلال عيشي بمدينة كبيرة، كنت ألاحظ أحيانا سلوكا خطيرا أو مسيئا في الشارع، ولكن أتردد بالتدخل خشية تعريض نفسي للخطر. وبهذه الحالة، كان الأب غاضباً بشكل واضح، وهو أكبر مني بقليل. ولا أظن أنه كان ليتطاول علي ولكنني أخشى التورط بهذه الأمور، فـ "هل كان ينبغي عليَ مساعدة الفتاة وأعلِمها أن سلوك والدها غير مقبول؟ ما أفضل طريقة لمساعدة شخص عندما تشعر أنك عاجز نسبيا عن المساعدة؟".
 
فكر بعواقب تدخلك
في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قال الكاتب كوامي أنتوني أبيا: في المقام الأول يجب عدم إيذاء أي أحد أو إساءة التصرف معه، فهذا أهم عامل عند التدخل. وإذا لم تفكر بعواقب تدخلك، فلن تتصرف بشكل أخلاقي، مهما كانت مشاعرك نبيلة. أحيانا ينتج عن تدخلك إحراج الشخص المعني بالأمر، وقد تكونين بمواجهة إنسان لا يملك القدرة على التحكم بغضبه، ومزيج الغضب والإذلال الذي قد ينتج عن تدخلك قد يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لابنته.
 
وبهذا الصدد، ربما تكون قد أصبحتِ بمرمى عدوانه وهو ما ينبغي عليك تجنبه. عليك التساؤل عما تعرفينه عن علاقتهما قبل التدخّل، ومعرفة المزيد لتقييم الموقف بشكل صحيح. من الصعب بطبيعة الحال أن نحكم على احتمالات التوصل لمجموعة من النتائج المحتملة.
 
ولكن مبدأ عدم إلحاق الضرر يشير لإعطاء أهمية خاصة للمخاطر السلبية المحتملة. فلا يكفي أن نتصوّر أن التدخّل يجعل الأمور أفضل، وإنما يتعيّن التأكد أن التدخّل لن يفاقم الأوضاع نحو الأسوأ.
 
وبين الكاتب أن بعض الناس قد يخبرونكِ بأن هذا ليس من شأنك، ولكن هذا قد لا يكون صائبا أحيانا. لو كنت تعرفين أحد هذه الخيارات، مثل أن تدخّلك قد لا يكلّفك ثمنا باهظا، وأن مخاطرتك لأجل المراهقة وجعلها تدرك أن سلوك والدها غير صائب، كان ذلك يجعلك تشعرين بواجب التدخل.
 
كما أورد شاهد آخر لم يفصح عن اسمه "كنت شاهدا مؤخرا على توبيخ إحدى الأمهات لطفلها البالغ تقريبا تسع سنوات بقسوة. كانا موجودين بحديقة عامة كبيرة، وكانت قد سحبته لمكان منعزل مُحكمة قبضتها على كتفيه ومثبتة إياه على الحائط. كانت تنتقده بلغة أخرى غير الإنجليزية، ومع تزايد غضبها، تملّص منها الطفل وصرخ بخوف والدموع تنهمر من عينيه. قامت الأم بهزّه بعنف لتسكته، ورغم أنها لم تقم بضربه فإن كلامها صدمني، حيث خاطبته قائلة "سأدمّرك". بهذا الموقف، اخترت عدم التدخل. ولكن هل كان علي فعل ذلك؟ ورغم أن حياته لم تكن على المحك، فإنني أتمنى لو أنني تدخّلت. لكن ما هو الشيء الصحيح الذي ينبغي قوله أو فعله؟".
 
من ثقافات مختلفة
الصعوبة بهذه الظروف لا تكمن في عدم القدرة على التأكد من أهمية ما شاهدته فحسب، وإنما عدم القدرة على تحديد تأثير التدخل بسهولة. ربما تكون الأم انفجرت من الغضب بعد يوم عصيب، ولم تفعل ذلك من قبل، وستعتذر لابنها لاحقًا وتقرر عدم القيام بذلك ثانية. ربما هي مضطربة تحب ابنها ولكنها عرضة لنوبات غضب لا يمكنها السيطرة عليها، بحسب الكاتب.
 
علاوة على ذلك، ضع باعتبارك أن الناس من ثقافات مختلفة يعتقدون أنه لا يحق للغرباء التدخّل بالعلاقة بين الآباء وأبنائهم. حتى لو كان ردك أخجلها، فقد يكون شعورها هو "من هذا الشخص الغريب الذي لا يعرف شيئًا عنا، ويأتي ليعلّمني كيف أعامل ابني؟".
 
وفي الواقع، إذا كان التقييم المدروس قادك للاعتقاد بأن قول شيء ما لن يجعل الأمور تسوء ويجعلها تسير على ما يرام، فمن المبرر التحدث إلى الأم وإخبارها أن سلوكها تخطى الحدود.
 
وقد يؤدي إبلاغك الشرطة أو خدمات حماية الطفل لسلسلة من الأحداث المزعجة وربما الصادمة، وربما تتسبب بفصل الطفل عن ولي أمره. فمبدأ عدم إلحاق الضرر يؤكد أن إجراء اتصال مباشر للإبلاغ عن حالة إساءة معاملة الأطفال -والذي قد يقوم على معلومات مضللة- من الممكن أن يدمر حياة أسرة.