جويس كرم/
 
أمام انغماس الطبقة السياسية بلعبة أسماء ومحاصصات وحسابات لا دخل لها بمصلحة المواطن وتراجع المؤشرات الاقتصادية إلى نسب تصرخ "انهيار"، ومع تعب المجتمع الدولي وتضارب الحسابات الإقليمية، يقف لبنان على حافة الهاوية من دون وجود ما يوحي بالتفاؤل بخطوط المرحلة المقبلة.
 
أربعون يوما على ثورة تحاول استئصال جذور الفساد السياسي والأمني والاقتصادي، والنخبة السياسية تبدو في حالة نكران فعلي وغارقة في حسابات ضيقة حول من يستلم ماذا، وصهر من يبقى وابن من يخرج. وبدل أن تكون المعركة حول خطط انقاذية للبنان تتعامل مع عجز مادي تخطى الـ 86 مليار دولار، ومع وصول سعر صرف الدولار إلى ما فوق 2100 ليرة لبنانية (مع إصرار المصرف المركزي على السعر الرسمي 1507 ليرة)، يلتهي الساسة اليوم بلعبة أسماء لضمان حصصهم.
 
فالتيار الوطني الحر الذي بنى صعوده السياسي على قواعد دولة مدنية وبرنامج الإصلاح يفاوض اليوم على موقع صهر الرئيس ميشال عون، أي وزير الخارجية جبران باسيل وشروط خروجه. فمغادرته الوزارة تتم فقط في حال غادر سعد الحريري رئاسة الحكومة، حسب الرسائل التي أوصلها التيار لشركائه السياسيين.
 

أما رئيس الوزراء سعد الحريري الذي وعد اللبنانيين بكهرباء وماء واستقرار ونفط وغاز، فها هو غارق في وحول حكومته وغير قادر على الإقرار بالفشل أو إبعاد البلاد عن الهاوية.

"حزب الله" وحركة أمل بدورهما قررا توجيه اللوم إلى الانتفاضة الشعبية ومواجهتها في شوارع بعلبك وصور والهرمل وبيروت، ومحاولة العودة للوراء إلى ما قبل 17 أكتوبر وكأن شيئا لم يحصل.

لا تستوعب الطبقة السياسية مجتمعة بأن نظام الفساد السياسي الذي بنته وانخرطت به بعد الحرب الأهلية، وأعادت إنتاجه بعد عام 2005 هو المسؤول عن الهاوية التي وصل إليها لبنان اليوم. فحكومة عون والحريري والقوات اللبنانية و"حزب الله" والحزب الاشتراكي وحركة أمل أنتجت نموا قارب الصفر خلال العام الماضي (0.3 في المئة) ومستوى بطالة تجاوز الـ 37 في المئة بين صفوف الشباب ومعدلات فقر فوق العشرين في المئة، أي في أسوأ المستويات العربية والدولية.

فكيف تمتلك هكذا طبقة مفلسة من حيث الكفاءة والشفافية السياسية، الجرأة لإملاء شروط المرحلة المقبلة. أين الخطط الاقتصادية والاجتماعات الطارئة لمنع الانزلاق إلى الهاوية؟ هل تكون عبر طرح وحرق أسماء مثل محمد الصفدي وبهيج طبارة؟ أو باختبار اسم سمير الخطيب فيما النقص في الأدوية والأغذية والمحروقات بدأ يأكل البلد من الداخل؟

الحديث في العواصم الغربية عن لبنان بدأ يشمل المعونات الإنسانية وطريق إرسال الأغذية بعد الانهيار. صورة قاتمة ماليا وإنسانيا تنتظر لبنان في حال استمرار فشل طبقته السياسية، وملامحها أسوأ من زمن الحرب.

تخطئ القيادة السياسية اللبنانية في حال كانت تعتقد اليوم بأن الدول الغربية أو العربية أو حتى إيران ستنقذها من العناية الفائقة من دون خطوات جريئة تسبق ذلك. فالدول العربية فقدت الثقة بالنخبة اللبنانية الحالية، وبعض الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة ترى فيما يجري نافذة للضغط على "حزب الله" وأوروبا عاجزة، فيما إيران تواجه أزمتها الاقتصادية.

 

التلويح بالورقة الأمنية واللاجئين غير كاف أيضا لجذب انتباه هؤلاء. فالإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لدخول تركيا الشمال السوري والتعاطي مع أزمة اللاجئين. أما الانقلاب العسكري فليس خيارا بالنظر إلى طبيعة وتاريخ السياسة اللبنانية، وما من مصلحة أي طرف بالعودة إلى الحرب.

الحل يتطلب رؤية أبعد وذهنية تتخطى المحاصصات والأسماء التي ستتولى المقاعد الوزارية. فالانهيار لن يميز بين الحريري وباسيل، ولن يستثني أي منطقة لبنانية.

لا يمكن لوم الشارع اللبناني الذي استفاق متأخرا ضد نخبة سياسية متعفنة ومكبلة بمصالحها الضيقة ولا يمكن التعويل على الطبقة السياسية نفسها للحل. الحل يكون بحكومة إنقاذ حقيقية وأسماء من خارج النطاق المطروح حاليا، وعلى أسس النزاهة والكفاءة وليس لعبة مصاهرات وعائلات ومبارزات نيابية.

أما تعذر ذلك، فسيعني انهيارا اقتصاديا محتما سينقل لبنان إلى موقع المجهول حيث الجميع خاسر.