إقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قد تقود إلى مزيد تصعيد الاحتجاجات.
 
لم تحمل كلمة الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس، أي عناصر جذب جدية تبعث برسائل طمأنة إلى المحتجين، بسبب تركيزها على تقديم حلول شكلية للأزمة مثل تغيير قانون الانتخابات، واستبدال المفوضية المشرفة عليها، وإجراء انتخابات مبكرة لا أحد يضمن أنها لن تعيد نفس الوجوه السياسية إلى البرلمان والحكومة طالما لم يتم تغيير الدستور في اتجاه ضرب نظام المحاصصة الطائفية والحزبية.
 
وتعهد الرئيس العراقي، الخميس، بإجراء انتخابات مبكرة بعد تشريع قانون انتخابي “جديد مقنع للشعب” واستبدال مفوضية الانتخابات بمفوضية مستقلة “حقا”، مشيرا إلى استعداد عادل عبدالمهدي لتقديم الاستقالة شرط إيجاد البديل.
 
وأعلن صالح في كلمة متلفزة أن “رئيس الوزراء أبدى موافقته على تقديم استقالته طالبا من الكتل السياسية التفاهم على بديل مقبول وذلك في ظل الالتزام بالسياقات الدستورية والقانونية وبما يمنع حدوث فراغ دستوري”.
 
وأضاف “إننا في رئاسة الجمهورية باشرنا فعلا عملا متواصلا من أجل قانون انتخابات جديد مقنع للشعب، يعالج مشكلات القانون السابق ويسمح بانتخابات أكثر عدلا وأشدَّ تمثيلا لمصالح الشعب”.
 
وتوقع أن يتم تقديم مشروع القانون الأسبوع المقبل “بالتعاون بين دوائر رئاسة الجمهورية وعدد من الخبراء المختصين والمستقلين إضافة إلى خبراء الأمم المتحدة”.
 
وقال مراقبون عراقيون إن هذه المبادرات الجزئية لن تمس من جوهر النظام السياسي القائم، وإنها لا تعدو أن تكون بمثابة محاولة لربح الوقت وامتصاص غضب الشارع، وإيهام الشباب الغاضب بأن دخوله للانتخابات قد يقوده إلى الحصول على مواقع متقدمة في البرلمان والحكومة والوزارات والمؤسسات والتأثير في شكل المرحلة المقبلة.
 
وأشار المراقبون إلى أن الاستمرار في نفس المنوال السياسي القائم على الطائفية والمحاصصة سيعيد إنتاج نفس القيادات ونفس الوجوه التي كسب أغلبها ثروات مالية وباتت لديه ميليشيات، فضلا عن تشابك منظومة المصالح القائمة على الفساد، ما يجعل التنازل عن المواقع أمرا مستحيلا من داخل نفس المنظومة.
 
وفشلت الحوارات التي احتضنها قصر السلام في منطقة الجادرية ببغداد، حيث يقيم الرئيس العراقي، والتي شملت مختلف الأطراف السياسية، في التوصل إلى مقترحات عملية قادرة على إرضاء الشارع بعيدا عن فكرة تقديم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ككبش فداء لإنقاذ النظام السياسي الطائفي.
 
وكشفت أوساط سياسية مطلعة لـ”العرب” أن “الاجتماعات التي استضافها برهم صالح شهدت مشاركة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم تحالف الفتح البرلماني هادي العامري ورئيس أركان هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس ومستشار الأمن الوطني فالح الفياض وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم تحالف النصر حيدر العبادي وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم تحالف القرار أسامة النجيفي، وزعيم المنبر العراقي إياد علاوي فضلا عن ممثلين لتحالف سائرون الذي يرعاه مقتدى الصدر وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم والقوى السياسية الكردية والسنية”.
 
ولفتت إلى أن “القاسم المشترك بين جميع الآراء التي تطرح منذ ثلاثة أيام يدور حول الخشية من التورط في تقديم التنازل الأول للمحتجين، الذي يتوقع أن يكون غير كاف لفض التظاهرات، مهما كبر حجمه، برغم وجود آراء جريئة، كتلك التي يعبّر عنها العبادي”.
 
ويخشى حلفاء إيران في بغداد أن تكون الإطاحة برئيس الحكومة مقدمة تشير إلى المتظاهرين بتصعيد مطالبهم، متجاهلين الشعار الرئيسي الذي يرفعه المحتجون في مختلف المدن، وهو إسقاط النظام السياسي برمته.
 
وكشفت المصادر أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، واكب الجانب الرئيسي من اللقاءات التي احتضنها قصر السلام عبر الهاتف من طهران، وحذر بشكل علني من إطاحة حكومة عبدالمهدي دون ضمان لمصالح إيران، مؤكدة أن سليماني أبلغ العامري بترشيح ممثل من تحالف الفتح، الموالي لطهران، لتشكيل الحكومة الجديدة، في حال تقررت إقالة الحكومة الحالية.
 
وقالت إن ممثلي تحالف سائرون نقلوا إلى الصدر رغبة اجتماعات قصر السلام بتشكيل وفد لزيارته في مقره بمدينة النجف، للتفاوض معه بشأن حزمة الإجراءات المزمع تبنيها، لكنه رفض، مشيرا عليهم بالتفاوض مع المحتجين مباشرة.
 
وشرح مقربون من الصدر لـ”العرب” أسباب رفض زعيم التيار الصدري التفاوض مع ممثلي اجتماعات قصر السلام، بخشيته من أن تفهم خطوته هذه من قبل المتظاهرين على أنها ركوب لموجتهم، لاسيما بعد الهتافات التي رددها المحتجون في بغداد والنجف ضد تدخل أي طرف سياسي، بما في ذلك كتلة سائرون.
 
وكان محتجون هتفوا، الأربعاء، في ساحة التحرير ببغداد وساحة الصدرين بالنجف، ضد الصدر، حيث رددوا “لا مقتدى ولا هادي.. حرة تظل بلادي”، في دلالة على رفضهم تدخلات الصدر وهادي العامري في توجيه مسار حركة الاحتجاج.
 
وتقول مصادر سياسية مواكبة، إن احتجاجات الجمعة، التي يتوقع أن تكون حاشدة في بغداد والمحافظات، ربما تكون حاسمة في دفع الطبقة السياسية نحو تبني إجراءات قاسية، قد تتضمن التنازل عن مصالح كبيرة، في ظل التوقعات، لاسيما في ظل تسريبات تشير إلى أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني وجّه مقلديه، بالمشاركة في التظاهرات. 
 
ولا تتوقع المصادر إعلانا صريحا من السيستاني، خلال خطبة الجمعة، وقوفه في صف المتظاهرين، في ظل الخشية من إغضاب حلفاء إيران، لكن تسريب موافقته على المشاركة في الاحتجاجات، ربما يكون كافيا لحماية موقعه من غضب الجماهير.
 
ويعتقد مراقبون أن الخطوة الوحيدة التي يمكن للطبقة السياسية أن تقدم عليها من غير أن تخسر شيئا من مصالحها ولا تغضب إيران تكمن في الإطاحة بالحكومة التي بات رئيسها معزولا ولا يؤخذ رأيه في ما يمكن القيام به.
 
غير أن ذلك الإجراء صار شيئا من الماضي بالنسبة للمحتجين، فالشعارات التي رفعت والهتافات التي رددها المحتجون في مختلف المدن العراقية مضت في اتجاهين. الأول هو المطالبة بإسقاط النظام السياسي وإنهاء المحاصصة الطائفية والحزبية، والثاني هو تحديد نوع العلاقة بإيران في سياق القانون الدولي وهو ما يعني المطالبة بإنهاء الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي والأوضاع الاقتصادية.
 
 
ويرى مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” أن حوارات الطبقة السياسية تدور في الفراغ بعد أن أصبح مطلوبا على مستوى شعبي أن يتم استبعاد تلك الطبقة وتفكيك الميليشيات التابعة لإيران، مشيرا إلى أن ذلك الفراغ هو ما يدفع بالصقور إلى تبني نظرية “المؤامرة” التي هي العنوان الرئيس للخطاب الإيراني في ما يتعلق بالاحتجاجات في العراق ولبنان على حد سواء.
 
ولم يستبعد المراقب أن يكون القرار في النهاية إيرانيا وهو ما كشفت عنه التسريبات التي تؤكد أن سليماني كان حاضرا في كل الاجتماعات من خلال اطّلاعه المباشر على كل ما يدور.
 
وكما يبدو فإن الطبقة السياسية قد تلجأ إلى تكليف مقتدى الصدر لكي يقوم بدور الوسيط بينها وبين المحتجين، وهو أمر صار محرجا بالنسبة إلى الصدر نفسه بعد أن تصاعدت حدة الهتافات ضده في اليومين الأخيرين.
 
وأضاف المراقب أن ما يجري يؤكد أن الطبقة السياسية لم تكن مستعدة لمواجهة ما يمكن أن يشكل نهايتها في ظل تسوية إيرانية أميركية اعتقد الكثيرون أنها ستكون ضمانة لاستمرار الوضع كما هو لعقود مقبلة، لافتا إلى أن القمع الذي تفكر به الأطراف الموالية لإيران باعتباره الحل الوحيد قد لا يكون مقنعا بالنسبة لأطراف سياسية صارت على قناعة بأن أحدا من التركيبة السياسية الحالية في إمكانه أن يكون مقنعا للمتظاهرين لكي يتم ترشيحه لقيادة المرحلة المقبلة.