مختصر ما تمخّضَت عنه الاتصالات والمشاورات الجارية حتى الآن في مختلف الاتجاهات لمعالجة الأزمة المتصاعدة بين الحكومة، بل السلطة برمّتها، وبين الحراك الشعبي هي أنّ الأفق ما زال مسدوداً وأنّ الأزمة ماضية الى مزيد من التعقيد.
 

يؤكد المتابعون للأزمة أنّ هناك حالة استعصاء سياسي مقرونة بعدم قدرة أي فريق على إحداث خرق إيجابي في جدار الازمة المسدود، إذ ليس هناك أي قنوات للتواصل بين طرفي الازمة، ولا أحد يتكلم مع أحد، وفي الوقت نفسه ليس هناك أيّ تشخيص لما حصل يمكن أن يُبنى عليه للدخول في مدار المعالجات الناجعة، ويزيد في الطين بلة أنّ هناك عوامل هائلة من عدم الثقة بين الجانبين تساهم هي الأخرى في إطالة الأزمة.

وبحسب هؤلاء المتابعين، فإنّ البحث في معالجة الأزمة يفرض على المعنيين واقعياً ومنطقياً أن لا يطرحوا مطالب يدركون مسبقاً أنها صعبة التلبية، من مثل المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية او استقالة رئيس مجلس النواب، وفي الوقت نفسه المطالبة باستقالة الحكومة.

بينما لا يدرك هؤلاء المطالبون أنه في غياب رئيس جمهورية لا يمكن تأليف حكومة، علماً ان ليس لدى القيّمين على الحراك الشعبي، الذين لم تنكشِف هوياتهم جميعاً بعد، ولا لدى السلطة قواعد عمل محددة للتعاطي مع ما هو مطروح من خيارات ومطالب، إذ لا يكفي ان يُقال في وجه السلطة إنّ المطالب معروفة وعليها تلبيتها ولا حاجة الى تكرار طرحها.

ولذلك، يرى كثيرون أنّ أفق المعالجات مقفل في ظل تَبادل المعنيين، السلطة والحراك، الرهان على عامل الزمن الذي يُطرح سؤال حوله وهو أنه لمصلحة من سيكون؟ لمصلحة السلطة أم لمصلحة الحراك الشعبي؟. وكذلك في ظل رهان على من يصرخ «الآخ» أولاً، لاعتقاد المعنيين انّ من يصرخ أولاً سيكون الخاسر في المعركة.

كذلك هناك سؤال يطرحه الجميع، وهو الى أي مدى زمني يستطيع لبنان المأزوم سياسياً واقتصادياً ومالياً تَحمّل هذا الواقع الذي يعيشه في ظل استمرار الأزمة بلا علاج؟

وفي المعلومات المتداولة انّ دخول بعض العوامل الخارجية على خط الأزمة بدأ يزيدها تعقيداً، ولأنّ هذا الدخول لم يحقق بعد النتائج التي يريدها مَن يديرون هذه العوامل، لأنّ الجهات المستهدفة في خلفية ما يجري تبدو متماسكة ومرتاحة وتُظهر انّ لديها كثيراً من الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها إزاء كل الاحتمالات وتجنّبها أي ضعف أو وهن أو خسران بكل المعاني.

على أنّ جهات دولية كبرى وفاعلة دخلت قبل يومين على خط الازمة، على قاعدة منع اتّساع رقعتها ومنع وصول لبنان الى أي انهيار سياسي وأمني واقتصادي ومالي، فحذّرت المعنيين بالأزمة، من سلطةٍ وحراك شعبي، من أيّ محاولة لتعطيل دور المؤسسة العسكرية وقيادتها، وكذلك حذّرت من أي تعطيل لحاكمية مصرف لبنان ودورها.

وقيل انّ هذه التحذيرات تبلّغها بعض المرجعيات الكبرى المسؤولة قبل يومين، وجاءت مَشفوعة بتشديد على بقاء الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة بعيداً من أيّ استقالة قيل إنها خَطرت له قبل أيام ولكنه تراجع عنها بنتيجة نصائح داخلية وخارجية أُسدِيَت إليه.

وذكر بعض المطلعين في هذا المجال انّ الرجل تأثّر بالنصائح الداخلية وأخذ بها، أكثر مما تأثّر بالنصائح الخارجية التي انطوَت على التباسات دلّ اليها التناقض في بعض المواقف الدولية التي تؤيّد مطالب الحراك الشعبي، وتدعو الحكومة الى تلبيتها في الوقت الذي يرفع المتظاهرون مطلب استقالة الحكومة وتأليف حكومة من التكنوقراط تَتولّى، في مرحلة انتقالية مدّتها 6 أشهر، تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والمالية التي تنقذ البلاد من الانهيار، وتقرّ قانوناً انتخابياً جديداً يعتمد النظام النسبي ولبنان دائرة انتخابية واحدة، وتُجري انتخابات مبكرة على أساسه بعد 6 أشهر، أي في نهاية المرحلة الانتقالية.

يختصر المتابعون المشهد السائد، فيؤكدون أنّ الأزمة هي في مراوحة ولا تقدّم تَحَقّق بعد في اتجاه معالجتها، لأنّ الآذان الطرشاء هي التي ما تزال تحكم العلاقة بين السلطة ومجموعات الحراك الشعبي، فلا السلطة قدّمت أو تنوي تقديم تنازلات أكثر ممّا قدمته في الورقة الاصلاحية الاقتصادية التي أقرّها مجلس الوزراء مطلع الاسبوع الماضي، ولا جماعة الحراك لَبّوا دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الحوار معه في مطالبهم، ولا تراجعوا، أو ينوون التراجع، حتى الآن عن مطلبهم استقالة الحكومة وتأليف حكومة تكنوقراط، الأمر الذي يجعل الأوضاع في غاية الصعوبة والتعقيد الى أجل غير معلوم.