روسيا تثبت مجددا سيطرتها المطلقة على الملف السوري من خلال إجبار تركيا على توقيع اتفاق يقلل من طموحاتها في الشمال السوري.
 
يشكّل الاتفاق الروسي التركي بشأن شمال شرق سوريا الذي بدأ تنفيذه بعد ساعات فقط من التوصل إليه الثلاثاء تحوّلا جذريا في الصراع السوري، وسط توقّعات كبيرة بأن يطلق هذا الإنجاز الروسي شارة التسوية السياسية، حيث لم يعد هناك من قدرة لأيّ طرف للمناورة وإطالة أمدها أكثر.
 
ويقول متابعون للشأن السوري إن روسيا أثبتت مجددا من خلال إجبار تركيا على توقيع اتفاق يقلل إلى حد الأدنى من طموحاتها في الشمال السوري، ويجهض مشروع اقتطاعها نحو 440 كلم من الأراضي السورية، واضطرار الأكراد إلى إعلان تأييد الاتفاق منذ البداية رغم كونه ينسف حلم “روج آفا” وإن سياسة “الأيادي الحازمة والحاسمة” هي التي تأتي أكلها وليست سياسة الأيادي المرتعشة التي طبعت مسلك باقي الفرقاء في سوريا ومنها الولايات المتحدة.
 
وانسحبت القوات الكردية من مواقع عدة في شمال شرق سوريا الحدودية مع تركيا، الخميس تطبيقا لنص الاتفاق. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين إن الوحدات الكردية بدأت بالانسحاب من المناطق الحدودية، مضيفا “يسعدنا أن نلاحظ أن الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها في سوتشي يجري تنفيذها.. وأن كل شيء ينفذ”.
 
وبدأت قوات الشركة العسكرية الروسية الأربعاء تسيير أولى دورياتها في المناطق الشمالية قرب الحدود مع تركيا، لتملأ بذلك فراغا خلفه انسحاب القوات الأميركية، في وقت نوّه الرئيس دونالد ترامب بالاتفاق الروسي التركي.
 
ويقضي الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا بانسحاب القوات الكردية من منطقة حدودية مع تركيا بعمق 30 كيلومتراً وطول 440 كيلومتراً، ما يعني تخلّي الأكراد عن مدن رئيسية عدّة كانت تحت سيطرتهم. ويتعيّن على الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري بموجب الاتفاق الذي تم توقيعه في سوتشي في روسيا، “تسهيل انسحاب” قوات سوريا الديمقراطية التي تعدّ الوحدات الكردية عمودها الفقري، مع أسلحتها من المنطقة الحدودية، خلال مهلة 150 ساعة، تنتهي الثلاثاء المقبل.
 
وكانت قوات سوريا الديمقراطية انسحبت في وقت سابق هذا الأسبوع من منطقة حدودية ذات غالبية عربية تمتد بطول 120 كيلومتراً من رأس العين حتى تل أبيض، على ضوء اتفاق تركي أميركي جرى التوصل إليه بعد أيام من شنّ القوات التركية مدعومة بميليشيات سورية موالية لها عملية عسكرية تحت عنوان “نبع السلام”، وتضمّن الاتفاق الجديد بين روسيا وتركيا الحفاظ على الوضع القائم في تلك المنطقة.
 
وترغب تركيا في مرحلة أولى بإقامة “منطقة آمنة” بين رأس العين وتل أبيض تنقل إليها قسما كبيرا من 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها، منذ اندلاع النزاع في العام 2011.
 
وتعدّ تركيا الوحدات الكردية منظمة “إرهابية” وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا معها منذ عقود. وراهن أكراد سوريا على أن يكون لتضحياتهم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، ثمن في المقابل. لكن عوض دعم مشروعهم السياسي، بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، واضعةً بذلك حدا لطموحات الأقلية الكردية في سوريا بالحكم الذاتي.
 
وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي واجه قراره سحب قواته من شمال سوريا انتقادات شديدة واتُهم بتخلّيه عن الأكراد، بالاتفاق الروسي التركي الأربعاء.
 
وفي كلمة في البيت الأبيض اعتبرت إعلانا رسميا عن تخلّي بلاده عن المنطقة التي كان لواشنطن تواجد عسكري فيها مع المقاتلين الأكراد لصالح تركيا وروسيا، قال ترامب “لندع الآخرين يقاتلون” من أجل البلد “الملطخ بالدماء”.
 
ويشير ترامب على الأرجح إلى روسيا التي كرّست باتفاقها مع تركيا نفسها، وفق محللين، كصاحبة اليد الطولى في سوريا، دعما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
 
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي فابريس بالانش “يستعيد الأسد ثلث مساحة البلاد من دون أن يطلق رصاصة”.
 
 
ووجد وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر نفسه في موقف صعب خلال اجتماعه بنظرائه في حلف شمال الأطلسي، الخميس واضطر إلى تقديم تبريرات لم تبد مقنعة لجهة أن تركيا وضعتهم في موقف معقّد ما اضطرّهم للانسحاب من شمال سوريا.
 
وعلى الأكراد أن يفاوضوا بشأن مستقبلهم اليوم مع روسيا التي باتت القوة الأجنبية الأكثر نفوذا في سوريا دون منازع. وقالت “القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية” في بيان الأربعاء إنّ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس أركان الجيش الروسي فاليري غيراسيموف أجريا اتصالا متلفزا مع عبدي، أعرب خلاله الأخير عن شكره لموسكو لعملها على “نزع فتيل الحرب في مناطقنا وتجنيب المدنيين ويلاتها”.
 
ويرجّح أن تدفع روسيا الوحدات ذ إلى الاندماج داخل الجيش السوري، وقال ممثل لقوات سوريا الديمقراطية الخميس إن “قسد” مستعدة للانضمام للجيش بعد التسوية السياسية.
 
ويعتقد أنه بعد إتمام تنفيذ الاتفاق الذي عزّز سيطرة الجيش السوري على معظم أنحاء البلاد، سيتم التركيز على الفعل السياسي والعمل على دستور جديد وفي ذلك سيكون لروسيا الكلمة الفصل، فيما يتوقع أن يتم حل معضلة محافظة إدلب ضمن هذا الإطار.
 
ويرى محللون أنه بعيدا عن المزايدات الكلامية فإن من الواضح أن روسيا باتت تمسك بكل خيوط اللعبة، وهذا يعود الفضل فيه إلى سياسة الرئيس بوتين الذي تعاطى ومنذ البداية بحزم حينما قرر دعم دمشق منذ البداية رغم موقف المجتمع الدولي ثم إعلان التدخل المباشر في سوريا متحديا الإرادة الغربية، ونجح في قلب موازين القوى لصالح الرئيس بشار الأسد، وعزّز هذا الوضع بالاتفاق الأخير بشأن شمال شرق سوريا، وعلى ضوء ذلك فمن الأكيد أن موسكو ستكون هي المسيطرة على دفّة العملية السياسية وإن كانت القوى الغربية ما تزال تملك بعض الأوراق المهمة ومنها ملف العقوبات.
 
وحمّل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مسؤولية الفشل في الملف السوري إلى الإدارة السابقة وقال إن الإدارة السابقة للولايات المتحدة فوتت فرصة تحقيق “رحيل الرئيس السوري”. عن السلطة.