شدد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على أنّ فرَص الاستثمار الموجودة في لبنان اليوم ليست متواجدة في العالم، خصوصاً في منطقتنا، معتبراً أنه إذا «جَمعنا القطاعين الخاصّين اللبناني والإماراتي، يمكننا أن نُنجز العجائب للبنان خصوصاً وللمنطقة عموماً».
 
ورأى الحريري انّ «لبنان يمكنه أن يكون حجر أساس لكلّ الشركات الإماراتية التي ستستثمر في المستقبل بالكهرباء أو الغاز أو الطرقات أو المرافىء أو المطار، بالتعاون مع القطاع اللبناني الخاص، لكي تشارك لاحقاً بإعادة الإعمار في سوريا أو العراق انطلاقاً من لبنان. من هنا، نلتقي مع الإمارات لكي يكون لبنان مركزاً رئيساً لإعادة إعمار المنطقة».
 
كلام الحريري أتى خلال مشاركته أمس في مؤتمر الاستثمار الإماراتي اللبناني، مترئساً وفد لبنان إلى المؤتمر الذي عُقد برعاية وزارة الاقتصاد الإماراتية وغرفة تجارة أبو ظبي، في حضور الوزراء: وائل أبو فاعور، محمد شقير، ريا الحسن، الياس أبو صعب، منصور بطيش وعادل أفيوني، الوزير السابق غطاس الخوري، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سفير لبنان في الإمارات فؤاد دندن وعدد كبير من الشخصيات المصرفية والاقتصادية اللبنانية.
 
وحضر عن الجانب الإماراتي وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري، وزيرة الدولة للأمن الغذائي المستقبلي مريم محمد المهيري، وزير الطاقة سهيل محمد المزروعي، محافظ المصرف المركزي مبارك راشد المنصوري، رئيس اتحاد مصارف الإمارات عبد العزيز العزيز، سفير الإمارات في لبنان حمد الشامسي وحشد كبير من رجال الأعمال والمصرفيين والمستثمرين.
 
ولفت الحريري إلى أنّ «الحكومة اللبنانية قدّمت في مؤتمر «سيدر» رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والنمو وخَلق فرص العمل، عبر تأهيل البنى التحتية وتحديث الإجراءات والتشريعات والنهوض بالقطاعات الإنتاجية»، داعياً المستثمرين الإماراتيين إلى «دراسة هذه المشاريع التي تشكّل فرصاً حقيقية للاستثمار، وتحديداً عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص».
 
ونَوّه بـ«متانة العلاقات اللبنانية الإماراتية» مؤكداً «أنّ العلاقة بين لبنان ودولة الإمارات علاقة تاريخية ومتجذرة، وهي لطالما أدّت دوراً فاعلاً في الاقتصاد اللبناني، وساهمت في دعم لبنان على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والإنمائية».
 
المنصوري
 
في المقابل،  قال وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري: «نحن نتطلّع إلى زيادة عدد المشاريع والأنشطة التجارية بين دولة الإمارات ولبنان خلال المرحلة المقبلة. ولتحقيق هذا الأمر، نحن بحاجة إلى مواصلة الحوار والتعاون لضمان دور أكبر للشركات الاستثمارية والقطاع الخاص في البلدين. ولعلّ هذا هو الهدف الرئيسي من هذا المؤتمر المتميّز. فمِن خلال جلساته الحوارية، سنبحث سُبل توسيع نطاق الاستثمارات وتطوير بيئة الاستثمار بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وسنركّز على استكشاف الفرَص في مجالات الزراعة والمنتجات الغذائية، كما سنستعرض آفاق التعاون في قطاعات البنية التحتية، والنفط والغاز والطاقة المتجددة، والقطاع المصرفي والمالي».
 
تابع: «من جهة أخرى، إنّ القطاعات الاقتصادية في لبنان أثبتت قدرتها على توليد فرَص مهمة للشراكة والتعاون، وإنّ الشركات الاستثمارية الإماراتية، بما لديها من خبرات رائدة ومشاريع ناجحة عالمياً، تُبدي اهتماماً متزايداً ببناء شراكات مُثمرة ومُستدامة مع القطاع الخاص اللبناني، ونتطلّع إلى العمل معاً لتسهيل مهمة الطرفين في هذا الصدد».
 
شقير
 
في الجلسة الأولى للمؤتمر بعنوان «فرص الاستثمار بين دولة الإمارات والجمهورية اللبنانية»، أكّد الوزير شقير «أنّ القطاع الخاص اللبناني لديه كامل الجهوزية للانخراط في أي مشاريع مشتركة، إن كان في لبنان أو في الإمارات».
 
وأعلن أنّ هذا هو الوقت المناسب للاستثمار في لبنان، لأنّ مختلف القطاعات تشكل فرصة كبيرة وواعدة للمستثمرين. نعم، اليوم الاستثمار مناسب في العقار على اختلاف أنواعه بسبب انخفاض أسعار العقارات. كذلك في القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وسياحة، مع توجّه الدولة لتوفير الدعم والتحفيزات لها انطلاقاً من توصيات خطة «ماكنزي».
 
وأيضاً في البنية التحتية مع توفير مؤتمر سيدر تمويلاً يتجاوز الـ11,5 مليار دولار لهذه المشاريع، وتخصيص نحو 3,7 مليارات دولار منها لتنفيذها بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك في النفط والغاز مع بدء الاستكشاف في البحر مطلع كانون الأول المقبل». أضاف: «إلى جانب ذلك، هناك قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي يشكّل فرصة مميزة».
 
وأعلن أنّ «وزارة الاتصالات تُعِدّ حالياً دراسات حول مَد كابل بحري للإنترنت بين أوروبا ولبنان، لاعتماد بلدنا كمركز لتوزيع هذه الخدمة على الدول المجاورة. كذلك، فإننا قطعنا شوطاً كبيراً في التحضير لإطلاق مناقصة لإنشاء مركز المعلومات الوطني (national data center)، وهو من ضمن مشاريع سيدر. ونعلن في هذا السياق، حصول درس جدّي لإمكانية استثمار شركتَي الخلوي في لبنان عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص».
 
أفيوني
 
وكانت كلمة في الجلسة نفسها للوزير أفيوني، أشار فيها الى «اننا وضعنا نُصب أعيننا أن نبني دولة رقمية واقتصاداً رقمياً، وأن نحوّل لبنان إلى مركز لاقتصاد المعرفة، وإلى مركز للأعمال في قطاع التكنولوجيا، وإلى مركز للابتكار والتطوير والأبحاث».
 
ثم تحدث عن خطة الحكومة لاستقطاب الاستثمارات، فقال:
 
- في مشاريع القطاع العام: لقد قررت حكومتنا إطلاق مشروع التحوّل الرقمي في القطاع العام، بما يساهم قي الحَد من الهدر في القطاع العام وفي محاربة الفساد، وهذا المشروع يلقى دعماً مهماً من الجهات المانحة. وقال: أعوّل الكثير على مشروع التحول الرقمي في الادارة لتحفيز النمو في قطاع التكنولوجيا، وأعوّل الكثير على الشركات والمستثمرين ذوي الخبرة في هذا المجال في الإمارات ليكونوا في طليعة المستثمرين والمشاركين في هذه المشاريع، وآمل أن نمهّد الطريق لتعاون استراتيجي حقيقي بين البلدين يُساهم في تحقيق التحول الرقمي في الإدارة اللبنانية.
 
- في قطاع الشركات الناشئة: يحتاج هذا القطاع الواعد إلى مزيد من الاستثمارات وإلى تنويع مصادر المستثمرين، «نحن نود أن نزيد عدد الشركات الناشئة أضعافاً، وأن نحوّل لبنان إلى بلد ينتج مئات الشركات الناشئة سنوياً، ويصدرها إلى الخارج لتنمو وتتوسّع. وهنا الدور الذي يمكن ان يؤدّيه المستثمرون في لبنان والإمارات.
 
- outsourcing: تلزيم الخدمات: هناك اليوم شركات عالمية مهمة تستخدم لبنان لتصدّر خدماتها التكنولوجية إلى الخارج، وهناك قصص نجاح باهرة، «وطموحنا أن نضاعفها عبر الحوافز والتسويق واستخدام شبكات الاغتراب اللبنانية في القطاع والمنطقة الاقتصادية في طرابلس».
 
وختم أفيوني قائلاً انّ تسهيل بيئة الأعمال وتسهيل مزاولة العمل أمران أساسيان لكم ولنا، ونحن نعمل على عدة محاور لتحقيق ذلك عبر ورشة تشريعية جذرية وورشة حوافز ضريبية وجمركية.
 
بطيش
 
ثم عقدت الجلسة الثانية بعنوان: التبادل التجاري وفرص الاستثمار في الأمن الغذائي، فكانت كلمة للوزير بطيش لفتَ فيها إلى «تزايد الاستهلاك في مجتمعاتنا بوتيرة أسرع بكثير من تزايد الإنتاج المحلي». وحذّر من حجم الاستهلاك المتضخّم في لبنان، الذي يتجاوز إجمالي الناتج المحلي.
 
 
وقال: «من المؤسف أن تتزايد أعداد العائلات اللبنانية التي تعيش تحت خط الفقر، خصوصاً منذ العام 2011 إلى اليوم. هذا ما ليس مقبولاً في بلد كلبنان، والمؤسف أننا نستورد ما نحن قادرون على إنتاجه».
 
أضاف: «إنّ التعاون بين لبنان والإمارات العربية المتحدة يمكن أن يُسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلدين. نحن نسعى إلى تقديم كل التسهيلات لرجال الأعمال الإماراتيين للاستثمار في لبنان، في العديد من القطاعات الواعدة، وفي طليعتها القطاع الزراعي. كما يمكننا أن نَتكامَل في العديد من الحقول الزراعية والصناعية والتجارية، كما في حقول التكنولوجيا والمعرفة».
 
أبو فاعور
 
وفي الجلسة نفسها، تحدث وزير الصناعة وائل أبو فاعور، فقال: «انّ قطاع الصناعات الغذائية في لبنان هو واحد من القطاعات الصناعية الأساسية، لا بل يعتبر من أهم وأقدم القطاعات الصناعية، حيث لدينا 1500 مصنع مسجّل لدى وزارة الصناعة، ما يعني حوالى 26 في المئة من حجم الصناعات اللبنانية، وهناك 178 منتجاً لبنانياً في مجال الصناعات الغذائية، والصادرات الصناعية الغذائية هي تقريبا 20 في المئة من حجم الصادرات».
 
أضاف: «بالمعنى المادّي المباشر، نحن نحتاج إلى طريقة وتعاون من أجل رفع قيمة التبادل التجاري بين لبنان والإمارات. واذا نظرنا إلى أرقام الـ 2018 نلاحظ أنّ الصادرات اللبنانية إلى الإمارات بلغت 457 مليون دولار، وبلغت الواردات من الإمارات 588 مليون دولار. ما يعني أنّ العجز هو بقيمة 131 مليون دولار. ونحن نستطيع أن نرفع حجم التبادل بشكل كبير. لذلك سأقترح عقد لقاء مشترك يكون مخصّصاً لمسألة التبادل في القطاعات الصناعية الغذائية والزراعية، ولدينا الكثير من البرامج التي نسعى عبرها إلى رفع مستوى هذه الصناعات».
 
سلامة
 
ثم كانت كلمة لسلامة أكد فيها انّ «مصرف لبنان يؤمّن باستمرار الدولارات للأسواق اللبنانية بالأسعار الثابتة حالياً. والسوق بين القطاع المصرفي ومصرف لبنان هو الأساسي في لبنان لعملات الدولار وتوافره، وهو يشكّل فعلاً أكثر من 95 في المئة إلى الإمارات من حجم السوق».
 
تابع: «صحيح أنه حصل مؤخراً نوع من الالتفاف على أسعار الدولار بالنسبة إلى الليرة اللبنانية أو لتوافر الدولار لدى الصيارفة، إنما عملية الصيرفة في لبنان هي تجارة في الأوراق النقدية، وتبعاً للقانون اللبناني لا يحقّ للصرّاف أن يقوم بعمليات شبه مصرفية، ولا أن يعمل لصالح فريق ثالث. لذا، لا نستطيع القول إنّ هناك سوقاً موازية للدولار في لبنان، كما سبق وقيل، إلّا إذا باتت المصارف تُسعّر بأسعار أعلى من تلك التي يعتمدها البنك المركزي».
 
أضاف سلامة: «خلال الأشهر الـ12 الماضية، كانت قاعدة الودائع الموجودة في القطاع المصرفي اللبناني مستقرة، أي أننا لم نشهد نمواً بهذه الودائع، إلّا أننا لم نشهد أيضاً انخفاضاً.
 
إنّ نسبة الفوائد بالسوق في القطاع المصرفي، ومنذ العام 2017 وحتى اليوم، ارتفعت بمعدل 3 في المئة، إن كان على الودائع أو على التسليفات. وما حَدّ من صعود معدل الفوائد المدفوعة أو تلك التي يدفعها المدينون هو القروض المدعومة، والمصرف المركزي استمر خلال سنة 2019 بتأمين هذه القروض».
 
وقال: «إنّ موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، باستثناء الذهب، هي بحدود 38,5 ملياراً، وهي ارتفعت منذ حزيران حتى اليوم بالرغم من أنّ الإعلام والتقارير كانت سلبية بالنسبة للبنان، وبالرغم من التخفيض الذي حصل لتصنيف البلد من قبل مؤسسة «فيتش» مؤخراً، والتحذير من قبل «ستاندرد أند بورز». بالطبع إنّ الصعوبات موجودة، ولكننا كنّا قد اتخذنا التدابير اللازمة إحترازياً، وحين أتى هذا التخفيض بقيت رَسملة المصارف تشكّل نِسباً مقبولة، بما يُبقي المصارف اللبنانية منخرطة عالمياً.
 
نحن نتطلّع إلى مشاريع لتطوير الشمول المالي بإدخال التقنيات إلى القطاع المصرفي، وستصدر تعاميم بهذا الصدد. وهذا يشكّل بدوره مجالاً للاستثمار في لبنان. كما أننا سنطلق في نهاية الفصل الأول من العام 2020 المنصّة الإلكترونية للتداول بالأوراق المالية، والتي ستكون داعمة لعمليات الشركات الخاصة في لبنان وإمكانية تمويلها».
 
ورداً على سؤال حول انتعاش بورصة بيروت بنسبة 0,5 في المئة بعد المؤتمر الاستثماري اللبناني الإماراتي، قال سلامة: «نحن نشكر دولة الإمارات على استضافتها لنا، وبالتأكيد، اللبنانيون يعوّلون على دعم من الدولة الإماراتية، ونأمل أن يعطي ذلك إشارة إيجابية».
 
أمّا عن الهندسات النقدية التي ينتظرها القطاع المصرفي من مصرف لبنان، فقال سلامة: «وضَعنا في الوقت الحاضر هندسات معّينة، وهي لآجال متوسطة أو طويلة، بين 3 و10 سنوات. والقطاع المصرفي يستخدم هذه الأدوات لكي تكون لديه قدرة تنافسية، ويحافظ على السيولة المطلوبة، وليست هناك مبادرات أخرى حالياً».
 
صفير
 
وخلال جلسة حول دور القطاع المصرفي والمالي وصيَغ التمويل المُتاحة، قال رئيس جمعية المصارف اللبنانية سليم صفير: «تسمعون عن صعوبات اقتصادية ومالية تُواجِه لبنان. إنها مطبّات اقتصادية سنتجاوزها كما في السابق، لأنّ ركائز الاقتصاد لا تزال متينة. نحن كقطاع مصرفي متفائلون بتَوجّه الحكومة الجديد، المَبني على سياسة مالية تتناسب مع حجم إيرادات الدولة. هناك فرصة ثمينة للبنان وللمستثمرين العرب للاستفادة من قوة الدفع التي سيطلقها سيدر، والتي نعتقد بأنها ستساهم في خلق مناخ استثماري جاذب».
 
ودعا صفير الشركات والمصارف العربية للنظر إلى السوق اللبنانية كوجهة استثمارية جدية، «وهم سيجدون في المصارف اللبنانية حليفاً وشريكاً استراتيجياً ومُجدياً. التحدي الحقيقي بالنسبة لنا هو إنعاش الاقتصاد واستعادة النمو، وهذا أمر يتطلّب ضَخ رؤوس أموال وتأمين قروض مدعومة. إنّ السيولة متوافرة في مصارف لبنان، لكنّ القروض مُكلفة بسبب ارتفاع الفوائد نتيجة التصنيف الائتماني المنخفض».
 
وأكد أنّ «تأمين قروض زراعية وصناعية وسياحية مدعومة بفوائد تحفيزية، سيساهم في تعزيز النمو وزيادة الإنتاجية وتخفيض العجز. كما انّ القطاع المصرفي مستعد وجاهز للمساهمة في تأمين المستلزمات المالية لقطاعي النفط والغاز، حين يدخل لبنان في مرحلة التنقيب والتصدير».
 
وختم: «إنها مرحلة دقيقة نمر فيها، ولكننا مؤمنون بقدراتنا على تجاوزها، ووقوف أصدقائنا إلى جانبنا سيعزّز من ثقتنا، ويُسرّع في تخطّي هذه المرحلة والعبور إلى شاطئ الأمان».
 
ثم عقدت جلسة بعنوان: فرص الاستثمار في قطاعات البنية التحتية - قوانين الشركات بين القطاع العام والقطاع الخاص في البلدين، وجلسة أخرى حول فرص الاستثمار في قطاع النفط والغاز والطاقة المتجددة.
 
توقيع اتفاقية تعاون
 
وفي الختام، جرى توقيع اتفاقية تعاون بين سوق أبو ظبي العالمي والمركز اللبناني للتحكيم والوساطة، وقّعها عن الجانب اللبناني وزير الاتصالات محمد شقير بصفته رئيس الهيئات الاقتصادية.