يعاني الشعب اللبناني عامة من ضائقة اقتصادية خانقة كرّستها سياسة الافساد والافقار الممنهج التي تعتمدها قوى السلطة العميلة للخارج بمعظمها، او تلك التي لا تأبه أصلا لما يحصل في جغرافيا الوطن مغلبة مصالح الدول الراعية على مصالحه.

 

وتكاد الطائفة الشيعية على امتداد الاراضي اللبنانية خصوصاً في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت تتفرد بأعلى مستويات الحرمان والبطالة والتفلت الأمني وتفشي الفوضى وتعاطي المخدرات وتدني مستوى التعليم والطبابة وغياب الخدمات وسيطرة مافيات المولدات وفارضي الخوات.

 

وأمام هذا الواقع المخيف الذي يتجه بنا سريعا نحو أزمة اجتماعية كبرى نجد أن جماعة صغيرة ممن يقبضون على مفاصل القرار الشيعي يراكمون الثروات ويعقدون الصفقات ويتفننون في صنوف الفساد المغلف غالبا بشعارات المقاومة والشهادة وغيرها من العبارات الواردة في باب النفاق من مجلد "كيف تسوق القطيع".
ونحن اذ لا نستثني اية جهة لبنانية من الفساد والتآمر على الشعب، فإننا كجزء من بيئة المقاومة الغارقة بالشعارات الملكوتية البراقة نسعى الى تسليط الضوء على بعض ما تيسر لنا من العلم بفساد رجال يقبضون على قرارنا، وذلك من باب إلقاء الحجة ووضع المعنيين امام مسؤولياتهم.

 

لعل أوّل اسم يتبادر الى الأذهان عند الحديث عن الفساد في بيئة المقاومة هو اسم مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، ليس لأنه الأفسد بين زملائه القياديين، بل لأنه في دائرة الضوء بحكم مهامه الحزبية، فيما زملاؤه الذين يفوقونه فسادا مجهولون لدى الرأي العام كونهم يعملون في الظل.


ولمن لا يعرف تاريخ الرجل، فإنه ابن عائلة فقيرة لم يرث عنها الا الحرمان، وكان قبل تخرجه من الجامعة يعمل مدرّساً للغة العربية، وهو استغلّ نفوذه لاحقا للحصول على الاجازة الجامعية دون اي عناء.
كان وفيق عنصرا صغيرا في حزب الله يعيش في احدى زواريب "بئر العبد"، وبقي على هذه الحال لسنوات عدة حتى انفتحت له ابواب السلطة بعدما تقرب من بعض النافذين في التنظيم (سيما الامنيين منهم) سواء بالمصاهرة أو العلاقات الشخصية، فتم تعيينه مسؤولا لما عرف سابقا باللجنة الأمنية، ويعرف حاليا بوحدة الارتباط والتنسيق التي تتولى ادارة العلاقات بين حزب الله وسائر الاجهزة الامنية في الدولة اللبنانية اضافة الى الأحزاب والتنظيمات، ولها اقسام منتشرة في كافة المناطق التي يسيطر عليها الحزب.

 

هذا الموقع أتاح للرجل بناء علاقات واسعة داخل الحزب وخارجه، وزاد نفوذه مع الوقت مدعوما بلوبي حزبي يشاركه الاستثمار ويغطي عليه فساده.
وتصاعد هذا النفوذ حين كلفته قيادته بالاشراف على بعض صفقات تبادل الاسرى مع العدو الصهيوني حتى اصبح رقما صعبا يتعذر على حزبه التخلي عنه، وبات يدير امبراطورية من السلطة والنفوذ والاموال.
وفيق هذا بات يملك ملايين الدولارات ويضع يده على مشاعات للدولة في الاوزاعي بالقرب من ملعب الغولف تقدر قيمتها بالملايين، واستغل نفوذه في ادخال بعض الضباط الى المدرسة الحربية مقابل مبالغ مالية طائلة، وتغطية نشاطات بعض تجار السلاح ومهربي الكبتاغون من الطائفة الشيعية، وتوزيع البطاقات الامنية على الازلام والمقربين وبعض الخارجين على القانون ممن استخدموها لتنفيذ اعمال السرقة والتهريب، اضافة الى تمرير شحنات الاعلاف عبر الخط الخاص بالحزب في مرفأ بيروت دون المرور على الاجهزة الجمركية، وهذه الشحنات تعود بمعظمها للمدعو مصطفى الحريري الملقب بمصطفى علف، مقابل مبالغ صخمة يتقاضاها من الاخير.
كما أن وفيق كان بطل عملية تزوير كبرى في وزارة المهجرين حين قدم (مع عدد من زملائه الذين سنكشف اسماءهم لاحقا) مئات الطلبات التي حصل من خلالها على تعويضات بمئات آلاف الدولارات، وكان له دور كبير في سرقة تعويضات ما بعد حرب تموز.


ومنذ سنوات اقصته قيادته عن العمل لعدة اسابيع بسبب بعض الصفقات التي عقدها مستغلا موقعه التنظيمي، خصوصا أنه كان على خلاف مع القيادي الراحل مصطفى بدر الدين، الا ان اللوبي الحزبي الذي يغطيه ضغط في سبيل اعادته الى منصبه.


كما أنه لم يكن من السهل على السيد نصر الله التخلي عنه بسبب تراكم خبراته وامتلاكه للكثير من المعلومات الخطيرة اضافة الى احتكاره لمفاتيح عمله، هذا فضلا عن أنه تلميذ نجيب لسيده ولديه طاعة عمياء لمن هو فوقه.
والجدير بالذكر أن السيد -حين كثر اللغط حول وفيق- عرض موقع الارتباط والتنسيق على عدد من القياديين (احدهم من آل حمادة) ولكنهم رفضوا العرض، فاضطر للإبقاء عليه.
ومع ان وفيق قلص من نشاطاته الفاسدة في الفترة الاخيرة خصوصا حينما اعلنت قيادة الحزب عزمها على محاربة الفساد، الا انه ما زال يتحرك في هذا الاطار دون لفت نظر او اثارة اي ضوضاء، فيما عناصر الحزب وكثير من عوائل شهدائه يئنون تحت وطأة الاعباء المعيشية ويقدمون التضحيات التي يستثمرها بعض القيادات لمصالح شخصية.


وليس سرا ان قلنا أن معظم الاجهزة الامنية اللبنانية تنشد رضى "الحاج" وتأتمر بأمره، وبات بعضها عصاً يضرب بها هذا الرجل كل مخالف له او ناقد لحزبه، ويلاحق بها الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ونحن منهم، خصوصا أن له في كل جهاز أمني ضابط ارتباط أبرزهم المدعو هاشم برو الذي أشارت بعض صفحات التواصل الى أن لديه مكتبا في مديرية الأمن العام، وهو يدخل الى المديرية بسيارة ذات زجاج داكن ولا يجرؤ أحد على تفتيشه، ومهمته تتركز على تسهيل معاملات مسؤولي الحزب لدى الأمن العام، اضافة الى مهام اخرى ذات طابع أمني، وكان له دور بارز في دعم شركة الياسمين للخدم التي يملكها ابن وفيق (محمد علي) حيث كان الأخير يُدخل الى لبنان اضعاف العدد المسموح به من قبل الدولة دون حسيب أو رقيب، مع ان وزيرة الداخلية ريا الحسن ارسلت كتابا بهذا الخصوص الى مديرية الأمن العام منذ أشهر.

 

فلماذا لا تسأل قيادة الحزب وفيقها عن مصدر ثروته، خصوصا ان راتب الامين العام (بحسب تصريحه) يبلغ ١٣٠٠$؟
وهل بات هذا الرجل اكبر من ان تتمكن قيادته من محاسبته او عزله من موقعه؟
مع الاشارة الى أن كثيرين من داخل الحزب راهنوا بعد اطلاق حملة محاربة الفساد على أن يكون وفيق أول ضحاياها ولكنهم فوجئوا بالغطاء الذي منحه له السيد حين قال على الاعلام انه اتصل به وبارك له بالعقوبات الامريكية التي اعتبرها "عزا في الدنيا وكرامة في الآخرة"، وبهذا أحبط السيد كل أمل لدى جمهوره بمحاربة الفاسدين، بل انه زادهم حصانة ومنعة.

 

نحن ندرك اننا بعد هذا المقال سنتعرض لحملة شعواء من قطعان المتملقين، وستتهمنا قيادة الحزب بتشويه صورة كوادرها، وبأننا نعمل لصالح السفارات.
ونعلم جيدا بأننا سنلاحق قضائيا بسبب المس برستم غزالي لبنان، ولكن الحقيقة تبقى اقوى من كل مساعي التعمية والتعتيم.
يتبع ...