كانت محاولة اغتيال مروان حمادة البداية والرسالة الأولى والاغتيال الأوّل وليس الأخير. يتذكر فارس سعيد أحد شهود تلك المرحلة ذاك الاغتيال كأنه يعيشه اليوم. يقول: كنت أمارس رياضة ركوب الخيل، فسمعت أنهم استهدفوا مروان. توجّهت الى مستشفى الجامعة الاميركية، كان وليد جنبلاط على مدخلها يلبس الجينز ويضع جاكيتته على كتفيه، وسط مئات المشايخ الدروز، في الداخل كان غسان وجبران تويني، وحشد كبير. اتفقنا مع نصير الاسعد على اللقاء عند سمير فرنجية في منزله بمار الياس، واتفقنا على أنّ الردّ سيكون في عقد «لقاء البريستول». كانت الرسالة لتخويف وليد جنبلاط وتجميده، لكنه لم يخف، فشارك في «لقاء البريستول». لذلك انتقل المنفذون الى مستوى أعلى من الجريمة والاغتيال: قتلوا رفيق الحريري.
 

ليست محاولة اغتيال حمادة معزولة عمّا سبقها، يقول سعيد: دخول اميركا الى العراق وزيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد، والطلب اليه عودة النظام الى سوريا، أي سحب التدخل من العراق والانسحاب من لبنان، والامتناع عن التدخل في الملف الفلسطيني، كان بداية لتحول كبير.

 

يضيف: النظام السوري قرأ الرسالة جيداً، فحاول استباقها، بتشكيل حكومة في لبنان، شكّلها الحريري، وضمّت لأول مرّة أسماء ككريم بقرادوني وفارس بويز، لكن لم يقبض الاميركيون هذه العملة، فكان المطلوب من النظام ان ينسحب من لبنان، لكنّه أصرّ على أمرين: التمديد الرئاسي، وتكليف الرئيس رفيق الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.

 

يقول سعيد: قرأ الحريري التحولات الدولية.عقدت قمة الاطلسي في تموز 2004 بين الرئيسين الفرنسي جاك شيراك والاميركي جورج بوش، وطالبت بتطبيق الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية. في 2 ايلول صدر القرار 1559، الذي نص على اجراء الانتخابات، وانسحاب الجيش السوري وحلّ جميع الميليشيات. كان رفيق الحريري يعي كل هذا المناخ، وقرر في داخله ان يرفض تشكيل الحكومة، فوضع على السوريين شرطاً لتشكيلها وهو اشراك «لقاء قرنة شهوان».

 

يروي سعيد: بعد ان وضع هذا الشرط، أرسل لنا نصير الاسعد، انا وسمير فرنجية، فذهبنا اليه في قريطم، دخلنا من باب خلفي، ومباشرة الى الطبقة السابعة، حيث أخبرنا بما ينوي فعله، ثم طلب منا الّا نقبل ك «قرنة شهوان» المشاركة في الحكومة، كي يعتذر عن تشكيلها. وهكذا حصل.

 

يقول سعيد: اجتمعنا في قرنة شهوان، وأرسلنا قصداً وفداً من المتشدّدين للتفاوض معه، من هؤلاء الشهيد جبران تويني وسمير عبدالملك، ففاوضوه، وعرض عليهم المشاركة بثلاثة وزراء، وكما كان متوقعاً رفضوا، فانتهى المسعى، وذهب الحريري الى الاعتذار عن التشكيل. كان أرجل الرجال، ولولاه لكان النظام السوري الآن في شوارع بيروت، كان تمايزه عن السوريين أشبه بتمايز المسيحيين عن فرنسا في الأربعينيات.

 

ويضيف: كانت رسالة الاغتيال موجهة الى وليد جنبلاط، لمنعه من إكمال تواصله مع البطريرك صفير والرئيس رفيق الحريري، لكن جنبلاط لم يخف، فاختاروا الهدف الكبير رفيق الحريري، واخترنا ان نردّ بيوم 14 آذار الذي شكّل يوماً استثنائياً في حياة لبنان.

 

ويختم: نجا حمادة بأعجوبة، وهو ما زال شاهداً على حقبة مضيئة في تاريخ لبنان، وبادعاء المحكمة الدولية على المجموعة نفسها المتهمة باغتيال الحريري، في قضية مروان حمادة، يتأكد أنّ المخطِّط والمنفِّذ جهة واحدة، وان تلك الاحداث التي عاشتها المنطقة ولبنان لا تزال مستمرة بنتائجها، فقرار الاغتيال لم يكن مجرّد رغبة في التصفية الجسدية، بل كان الهدف منه إجهاض الحالة الاستقلالية في مهدها، وبتنا على مسافة 15 سنة من محاولة اغتيال حمادة أقدر على فهم ما حصل بوضوح تام، وما نشهده اليوم من سيطرة لهذا الفريق على الدولة. بدءاً بمحاولة اغتيال حمادة ،ثم اغتيال الحريري وباقي شهداء «ثورة الاستقلال:، لكن على الرغم من اختلال موازين القوى، الستارة لم تسدل واللعبة لم تنتهِ.