عدم الرد على العدوان الإيراني مشكلة. والرد مشكلة أيضا. وعلى العالم بأسره، وليس على الرياض وحدها، أن يختار المشكلة التي تناسبه، ولكن برضا الرياض وحدها، لأنها هي ضحية العدوان أولا وآخرا.
 

الاعتداء الإيراني ضد منشآت النفط السعودية كشف عن عدة حقائق، تكاد كلها تنتهي عند نقطة واحدة، هي أن الاستراتيجيات القائمة، سواء في المواجهة مع إيران، أو في العلاقات مع الولايات المتحدة لم تعد تصلح للمضي بها خطوة واحدة.

 

1- إيران تستفيد من السياسات الأميركية المعلنة، بعدم الرغبة بالحرب، وعدم السعي لتغيير النظام. هذا يوفر لسلطة الملالي هامش مناورة واسعا، يشمل القدرة على شن أي عدوان على أي أحد، من دون أن تتوقع ضررا. هذا الهامش من صنع الولايات المتحدة، ويجعلها المسؤول الأول عن عواقبه.

 

2- الرئيس دونالد ترامب ألغى الاتفاق النووي من دون أن يعرف ما هي الخطوة التالية. كانت لديه خطة “أ”، ولكن ليس لديه خطة “ب”. ولئن ظل يأمل بأن تصعيد الضغوط الاقتصادية كافيا، ليجعل إيران ترضخ لمطالبه، فقد ثبت أن هذا الأمل أعرج. أحدث العقود التجارية مع الصين (بلغت قيمته 400 مليار دولار)، والشراكة المتواصلة مع روسيا وتركيا، تفتح لإيران منافذ مهمة للتكيف مع تلك الضغوط.

 

3- العقود الضخمة مع الصين، تجعل إيران نوعا من حصة استراتيجية صينية وروسية، لا تملك فيها الولايات المتحدة ولا حلفاؤها الأوروبيون أي مصالح مهمة. وهذه خسارة استراتيجية صافية للطرفين معا. وهي تقضي، بدفعة واحدة، على خمسة عقود من العمل والأمل باستعادة إيران إلى كنف المصالح الغربية. ترامب هو الذي قدمها كهدية استراتيجية للصين وروسيا.

 

4- إرسال بوارج حربية إلى مياه الخليج، لم يوفر أي أمن، بل تحول إلى عبء. واقتصرت الغاية الأميركية من تلك البوارج على البحث عن مكسب مادي، وعن دور أمني فارغ المحتوى. هذه البوارج هي نفسها نقطة ضعف عسكرية. ففي حال حدوث أي مواجهة فإن إغراقها لا يكلف إيران شيئا. القاعدة تقول: لا تحمل سلاحا لا تجرؤ على استخدامه. ترامب جاء بسلاح، وهو يعرف أنه لا يريد استخدامه.

 

5- الرئيس ترامب ينظر إلى الأمن، وإلى دور الولايات المتحدة في أي مكان، على أنه صفقة عقارية. وهذه نظرة سطحية وضعت قضايا خطيرة في كفة المال. والمال بحد ذاته، غبي. قيمته في ما يصنعه، لا في كميته. وهذا ما لا يفهمه ترامب.

 

6- السعودية تملك من القدرات العسكرية ما يكفي لحماية أمنها. ولكن يدها مقيدة. الحرب مع إيران سوف تدفع الاقتصاد العالمي إلى الهاوية. وهو ما يعني أن قرار الحرب لا يمكن أن يتخذ في الرياض وحدها حتى ولو كان الأمر دفاعا عن النفس. أولئك الذين يتضررون من ارتفاع صاروخي محتمل لأسعار النفط يجب أن يُظهروا الاستعداد، إما لتحمل العاقبة، أو أن يتصرفوا كشركاء حقيقيين في الدفاع عن مصالحهم. لا تستطيع السعودية بمفردها، ولا على حساب أمنها، أن تكون المدافع الوحيد عن الاستقرار العالمي.
 

7- الموقف المتردد حيال إيران، يدفعها نحو المزيد من التهديدات وأعمال الإرهاب. وفي النهاية، فإن العالم سوف يضطر إلى الوقوف أمام خيارين: إما أن يرضخ لإيران، أو يجبرها على الرضوخ بالقوة. لا يوجد خيار ثالث. استراتيجية الصبر والمهادنة والبحث عن سبيل للحوار مع طهران، لم تُواجه بتصلبها وعنادها، إلا لأنها استراتيجية فارغة، تلوّح بالسلاح وتحمل راية الاستسلام للتهديدات في آن واحد.

 

8- لا يمكن الثقة بالولايات المتحدة كحليف. على الأقل لا يمكن الثقة بالرئيس ترامب. لقد دمر هذا الرجل صورة الولايات المتحدة على نحو لم يفعله أي رئيس من قبل. أتاح فراغات استراتيجية لروسيا في سوريا وأوكرانيا، وأساء لعلاقات بلاده مع شركائها الأطلسيين، وعمل على ابتزازهم حتى بدأوا يبحثون عن بدائل. وشن حربا تجارية ضد الصين واقتصرت مكاسبه منها على ما هو غبي. وجاء إلى الخليج ليس ليحميه أو ليحمي مصالح بلاده فيه، وإنما ليبحث عن الغبي. التجارة شيء، والمصالح الاستراتيجية شيء آخر. ترامب أظهر بوضوح أنه لا يعرف الفرق بين هذا وذاك.

 

9- عدم الرد على العدوان الإيراني مشكلة. والرد مشكلة أيضا. وعلى العالم بأسره، وليس على الرياض وحدها، أن يختار المشكلة التي تناسبه، ولكن برضا الرياض وحدها، لأنها هي ضحية العدوان أولا وآخرا.

 

10- نظام عدواني شرس، كالنظام الإيراني، لن يكف شروره. إذا خرج من هذا المنعطف منتصرا، ولو معنويا، فإن أحدا لن يتمكن من وقفه عند حده، ولا وقف أعماله الإرهابية المقبلة.

 

11ـ إيران لا تملك قوة عسكرية قاهرة، ويمكن تحطيمها في غضون أيام. إلا أن للحرب ثمنا كبيرا. والثمن يجب أن يفرض على إيران في المستقبل أن تدفع تعويضات عن كل الأضرار التي تسببت بها.

 

12ـ إيران تستقوي بميليشيات، وتهدد بها استقرار عدة دول. ولكن هذه الميليشيات تستعدي عليها قوى اجتماعية محلية ضخمة قادرة في النهاية على كبحها وتصفيتها، لاسيما وأنها لم تكن سوى ميليشيات لصوص، سلاحهم الجريمة والترهيب والفساد.

 

ومهما كانت أشكال المواجهة، بعد العدوان على السعودية، فإنها تعود لتلتقي عند نقطة واحدة: إسقاط النظام، واجتثاثه من جذوره، هو الحل الذي لا حل سواه، حتى ولو انتهى الأمر بحرب.

 

فقط، عندما يرى الملالي الموت قادما، فإنهم سيعرفون ماذا يعني. دون ذلك، فاللعبة خاسرة، ولا شيء يبرر الاستمرار فيها.