الغريب العجيب في حضوره المفاجئ والمُريب، أنّه لم يأت حنيناً للوطن، أو سعياً للمّ الشمل، بل لعلّ الأمر يتعلق بفتنة يحاول إيقاظها من نومها البعض لمآرب خبيثة
 
في لسان العرب لابن منظور: قال الله تعالى في كتابه العزيز في آية الصدقات: والعاملين عليها؛ هم السُّعاة الذين يأخذون الصدقات من أربابها، واحدهم عاملٌ وساعٍ، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل. والعُملةُ والعمالةُ والعُمالةُ والعمالة؛ كُلّه أجرُ ما عُمل، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال لابن السعدي: خُذْ ما أُعطِيتَ، فإنّي عملتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعمّلني، أي أعطاني عُمالتي وأجرة عملي.
 
ويبدو أنّ ابن السعدي كان يتردّد في أخذ أجرة عمله، فدعاه عمر للاقتداء برسول الله ص،  وهكذا غلبَ لقب"عامل" على لقب "الوالي" في الخلافة الإسلامية، فيقال مثلاً بأنّ معاوية بن أبي سفيان كان عاملَ عمر بن الخطاب على الشام، وأنّ عمرو بن العاص كان عاملَ معاوية على مصر.
 
في مطلع القرن العشرين وابان الحرب العالمية الأولى، قيل بأنّ الشريف الحسين بن علي كان عاملاً للانكليز في شبه الجزيرة العربية، وبعد انتهاء الحرب قيل بأنّ مصطفى كمال أتاتورك كان عاملاً في خدمة الغرب عندما أطاح بمنصب الخلافة وقلبَ تركيا دولة علمانية، ولطالما اتُّهم الإخوان المسلمون بأنّهم كانوا (وربما ما زالوا) في خدمة بريطانيا والغرب بوجه حركات التحرر الوطني العربية، وأمراء الخليج العربي كانوا وما زالوا على عمالتهم للولايات المتحدة الأمريكية.
 
 
 
عندنا في لبنان، ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وبعد أن هبّت رياح اتفاق القاهرة عام ١٩٦٨ على لبنان، وأصبح للمقاومة الفلسطينية موطئ قدم فيه، هاهنا من عمل للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وكان قد سبقهم من عملوا في خدمة حافظ الأسد شرقاً، ومن كان قد أصبح عاملاً لمناحيم بيغن جنوباً، ومن كان قد توصّل أن يكون عاملاً لصدام حسين والقذافي، وما لبث أن جاء من أبعد مرماه ليغدو عاملاً للوليّ الفقيه في إيران، فخرِبَ لبنان، وعمّ الخراب بعد ذلك في سوريا والعراق واليمن، ومن شاغب على هذه "العمالات" سرعان ما لقي مصرعه أو وجد نفسه في زوايا النسيان.
 
ينكأُ مجيئ عامر الفاخوري إلى لبنان كعميلٍ "صغير"، (رغم فضاعات ارتكاباته في معتقل الخيام) جراحاً كادت أن تندمل في بنية الصيغة اللبنانية الهشّة أصلاً، والغريب العجيب في حضوره المفاجئ والمُريب، أنّه لم يأت حنيناً للوطن، أو سعياً للمّ الشمل، بل لعلّ الأمر يتعلق بفتنة يحاول إيقاظها من  نومها البعض لمآرب خبيثة، فهو يحمل الجنسية الأمريكية، ويُقيم في أرقى بلاد العالم، وهذه الإقامة يحلم بها معظم اللبنانيين التّواقين للهرب من بلد النفايات والفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة، وعُسف الحاكمين وجورهم، فما عساه الفاخوري قادماً ليعمل فوق هذا الصفيح الساخن، اللهمّ سوى أوهامه بمواصلة الأفعال الجرمية التي سبق أن ارتكبها في معتقل الخيام السّيئ الذكر، أو حماقته بأنّه ما زال يستطيع أن "يركّبْ" أذن الجرّة حيث يشاء، جرياً مع المثل الشعبي الشائع.